في محل رفع صفة لرجل ، ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال ، لأن لفظ رجل وإن كان نكرة فقد تخصص بقوله : من أقصى المدينة (قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) أي : يتشاورون في قتلك ويتآمرون بسببك. قال الزجاج : يأمر بعضهم بعضا بقتلك. وقال أبو عبيد : يتشاورون فيك ليقتلوك : يعني أشراف قوم فرعون. قال الأزهري : ائتمر القوم وتآمروا : أي أمر بعضهم بعضا ، نظيره قوله : (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) (١) قال النمر بن تولب :
أرى الناس قد أحدثوا شيمة |
|
وفي كلّ حادثة يؤتمر |
(فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) في الأمر بالخروج ، واللام للبيان لأن معمول المجرور لا يتقدم عليه (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ) فخرج موسى من المدينة حال كونه خائفا من الظالمين مترقبا لحوقهم به ، وإدراكهم له ، ثم دعا ربه بأن ينجيه مما خافه قائلا : (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي : خلصني من القوم الكافرين ، وادفعهم عني ، وحل بين وبينهم (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) أي : نحو مدين قاصدا لها. قال الزجاج : أي سلك في الطريق الذي تلقاء مدين فيها ، انتهى. يقال : دار تلقاء دار فلان ، وأصله من اللقاء ، ولم تكن هذه القرية داخلة تحت سلطان فرعون ، ولهذا خرج إليها (قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) أي : يرشدني نحو الطريق المستوية إلى مدين (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) أي : وصل إليه ، وهو الماء الذي يستقون منه (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) أي : وجد على الماء جماعة كثيرة من الناس يسقون مواشيهم ، ولفظ الورود قد يطلق على الدخول في المورد ، وقد يطلق على البلوغ إليه ، وإن لم يدخل فيه ، وهو المراد هنا ، ومنه قول زهير :
فلمّا وردنا الماء زرقا حمامه (٢)
وقد تقدم تحقيق معنى الورود في قوله : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (٣) وقيل : مدين اسم للقبيلة لا للقرية ، وهي غير منصرفة على كلا التقديرين (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ) أي : من دون الناس الذين يسقون ما بينهم وبين الجهة التي جاء منها ، وقيل : معناه : في موضع أسفل منهم (امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) أي : تحبسان أغنامهما من الماء حتى يفرغ الناس ويخلو بينهما وبين الماء ، ومعنى الذود : الدفع والحبس ، ومنه قول الشاعر :
أبيت على باب القوافي كأنّما |
|
أذود سربا من الوحش نزّعا |
أي : أحبس وأمنع ، وورد الذود : بمعنى الطرد ، ومنه قول الشاعر :
لقد سلبت عصاك بنو تميم |
|
فما تدري بأيّ عصى تذود |
__________________
(١). الطلاق : ٦.
(٢). هو من المعلقة ، وعجزه :
وضعن عصيّ الحاضر المتخيّم
(٣). مريم : ٧١.