أن يكون عائدا إلى من يتبع خطوات الشيطان ، لأن من اتبع الشيطان صار مقتديا به في الأمر بالفحشاء والمنكر (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) قد تقدّم بيانه وجواب لولا هو قوله : (ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) أي : لولا التفضل والرحمة من الله ما طهر أحد منكم نفسه من دنسها مادام حيا. قرأ الجمهور «زكى» بالتخفيف ، وقرأ الأعمش وابن محيصن وأبو جعفر بالتشديد أي : ما طهّره الله. وقال مقاتل ، أي : ما صلح. والأولى : تفسير زكى بالتطهر والتطهير ، وهو الذي ذكره ابن قتيبة. قال الكسائي : إن قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) معترض ، وقوله : (ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) جواب لقوله أوّلا وثانيا : ولولا فضل الله. وقراءة التخفيف أرجح لقوله : (وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) أي : من عباده بالتفضل عليهم والرحمة لهم (وَاللهُ سَمِيعٌ) لما يقولونه (عَلِيمٌ) بجميع المعلومات وفيه حثّ بالغ على الإخلاص ، وتهييج عظيم لعباده التائبين ، ووعيد شديد لمن يتبع الشيطان ويحبّ أن تشيع الفاحشة في عباد الله المؤمنين ، ولا يزجر نفسه بزواجر الله سبحانه.
وقد أخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم حديث عائشة الطويل في سبب نزول هذه الآيات بألفاظ متعدّدة وطرق مختلفة. حاصله أن سبب النزول هو ما وقع من أهل الإفك الذين تقدّم ذكرهم في شأن عائشة رضي الله عنها ، وذلك أنها خرجت من هودجها تلتمس عقدا لها انقطع من جزع ، فرحلوا وهم يظنون أنها في هودجها ، فرجعت وقد ارتحل الجيش والهودج معهم ، فأقامت في ذلك المكان ومرّ بها صفوان بن المعطل ، وكان متأخرا عن الجيش ، فأناخ راحلته وحملها عليها ؛ فلما رأى ذلك أهل الإفك قالوا ما قالوا ، فبرأها الله مما قالوه. هذا حاصل القصة مع طولها وتشعب أطرافها فلا نطول بذكر ذلك. وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأهل السنن الأربع وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزل عذري قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن ، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدّهم. قال الترمذي : هذا حديث حسن. ووقع عند أبي داود تسميتهم : حسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال : الذين افتروا على عائشة عبد الله بن أبيّ بن سلول ومسطح وحسان وحمنة بنت جحش. وأخرج البخاري وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن الزهري قال : كنت عند الوليد بن عبد الملك ، فقال الذي تولى كبره منهم عليّ ، فقلت : لا ، حدثني سعيد بن المسيب وعروة ابن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبد الله بن عتبة بن مسعود كلهم سمع عائشة تقول : الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبيّ ، قال فقال لي : فما كان جرمه؟ قلت : حدثني شيخان من قومك أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنهما سمعا عائشة تقول : كان مسيئا في أمري. وقال يعقوب بن شيبة في مسنده : حدّثنا الحسن بن عليّ الحلواني. حدّثنا الشافعي ، حدّثنا عمي قال : دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك فقال له : يا سليمان الذي تولى كبره من هو؟ قال : عبد الله بن أبيّ. قال : كذبت هو عليّ. قال : أمير المؤمنين أعلم بما يقول ، فدخل الزهري فقال : يا ابن شهاب من الذي تولى كبره؟ فقال : ابن أبيّ. قال : كذبت هو عليّ. قال : أنا أكذب؟