بالمثلثة فعربت ، والمساجد هي مساجد المسلمين. وقيل : المعنى : لو لا هذا الدفع لهدّمت في زمن موسى الكنائس ، وفي زمن عيسى الصوامع والبيع ، وفي زمن محمد المساجد. قال ابن عطية : هذا أصوب ما قيل في تأويل الآية. وقيل : المعنى : ولو لا دفع الله ظلم الظلمة بعدل الولاة ؛ وقيل : لو لا دفع الله العذاب بدعاء الأخيار ، وقيل غير ذلك. والصوامع : جمع صومعة ، وهي بناء مرتفع ، يقال : صمّع الثريدة ؛ إذا رفّع رأسها ، ورجل أصمع القلب : أي حاد الفطنة ، والأصمع من الرجال : الحديد القول ، وقيل : الصغير الأذن. ثم استعمل في المواضع التي يؤذن عليها في الإسلام ، وقد ذكر ابن عطية في صلوات تسع قراءات ، ووجه تقديم مواضع عبادات أهل الملل على موضع عبادة المسلمين كونها أقدم بناء وأسبق وجودا. والظاهر من الهدم المذكور معناه الحقيقي كما ذكره الزجاج وغيره ، وقيل : المراد به المعنى المجازي ، وهو تعطّلها من العبادة ، وقرئ «لهدّمت» بالتشديد ، وانتصاب كثيرا في قوله : (يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً) على أنه صفة لمصدر محذوف ، أي : ذكرا كثيرا ، أو وقتا كثيرا ، والجملة صفة للمساجد ، وقيل : لجميع المذكورات (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) اللام هي جواب لقسم محذوف ، أي : والله لينصر الله من ينصره ، والمراد بمن ينصر الله من ينصر دينه وأولياءه ، والقويّ : القادر على الشيء ، والعزيز : الجليل الشريف ، قاله الزجاج ، وقيل : الممتنع الذي لا يرام ولا يدافع ولا يمانع ، والموصول في قوله : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) في موضع نصب صفة لمن في قوله من ينصره ، قاله الزجاج. وقال غيره : هو في موضع جرّ صفة لقوله «للذين يقاتلون». وقيل : المراد بهم المهاجرون والأنصار والتابعون لهم بإحسان ، وقيل : أهل الصلوات الخمس ، وقيل : ولاة العدل ، وقيل غير ذلك. وفيه إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على من مكّنه الله في الأرض وأقدره على القيام بذلك ، وقد تقدّم تفسير الآية ، ومعنى (وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) أن مرجعها إلى حكمه وتدبيره دون غيره.
وقد أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد ، والترمذي وحسّنه ، والنسائي وابن ماجة والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدّلائل ، عن ابن عباس قال : لما أخرج النبيّ صلىاللهعليهوسلم من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم : إنّا لله وإنا إليه راجعون ، ليهلكنّ القوم ، فنزلت (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) الآية. قال ابن عباس : وهي أوّل آية نزلت في القتال.
قال الترمذي : حسن ، وقد رواه غير واحد عن الثوري ، وليس فيه ابن عباس ، انتهى. وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) أي : من مكة إلى المدينة بغير حق ، يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم وأصحابه. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عثمان بن عفان قال : فينا نزلت هذه الآية (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍ) والآية بعدها ، أخرجنا من ديارنا بغير حق ، ثم مكّنّا في الأرض ، فأقمنا الصلاة ، وآتينا الزكاة ، وأمرنا بالمعروف ، ونهينا عن المنكر ، فهي لي ولأصحابي. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عليّ ابن أبي طالب قال : إنما أنزلت هذه الآية في أصحاب محمد (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ) الآية : قال لو لا دفع