واختلف في القانع من هو؟ فقيل : هو السائل ، يقال : قنع الرجل بفتح النون يقنع بكسرها (١) إذا سأل ، ومنه قول الشّمّاخ :
لمال المرء يصلحه فيغني |
|
مفاقره أعفّ من القنوع |
أي : السؤال ، وقيل : هو المتعفّف عن السؤال المستغني ببلغة ، ذكر معناه الخليل. قال ابن السّكّيت : من العرب من ذكر القنوع بمعنى القناعة ، وهي الرّضا والتّعفف وترك المسألة. وبالأوّل قال زيد بن أسلم وابنه وسعيد بن جبير والحسن ، وروي عن ابن عباس. وبالثاني قال عكرمة وقتادة. وأما المعترّ ، فقال محمد ابن كعب القرظي ومجاهد وإبراهيم والكلبيّ والحسن أنه الذي يتعرّض من غير سؤال. وقيل : هو الذي يعتريك ويسألك. وقال مالك : أحسن ما سمعت أن القانع : الفقير ، والمعترّ : الزائر. وروي عن ابن عباس : أن كلاهما الذي لا يسأل ، ولكن القانع الذي يرضى بما عنده ولا يسأل ، والمعترّ الذي يتعرّض لك ولا يسألك. وقرأ الحسن
«والمعتري»
ومعناه كمعنى المعترّ. ومنه قول زهير :
على مكثريهم رزق من يعتريهم |
|
وعند المقلّين السّماحة والبذل |
يقال : اعترّه واعتراه وعرّه وعرّاه ؛ إذا تعرّض لما عنده أو طلبه ، ذكر النحّاس (كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ) أي : مثل ذلك التسخير البديع سخرناها لكم ، فصارت تنقاد لكم إلى مواضع نحرها فتنحرونها وتنتفعون بها بعد أن كانت مسخرة للحمل عليها والركوب على ظهرها والحلب لها ونحو ذلك. (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) هذه النعمة التي أنعم الله بها عليكم (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها) أي : لن يصعد إليه ، ولا يبلغ رضاه ، ولا يقع موقع القبول منه لحوم هذه الإبل التي تتصدّقون بها ، ولا دماؤها التي تنصب عند نحرها ؛ من حيث إنها لحوم ودماء (وَلكِنْ يَنالُهُ) أي : يبلغ إليه تقوى قلوبكم ، ويصل إليه إخلاصكم له وإرادتكم بذلك وجهه ، فإن ذلك هو الذي يقبله الله ويجازي عليه. وقيل : المراد أصحاب اللحوم والدماء ، أي : لن يرضى المضحّون والمتقرّبون إلى ربهم باللحوم والدماء ولكن بالتقوى. قال الزجاج : أعلم الله أن الذي يصل إليه تقواه وطاعته فيما يأمر به ، وحقيقة معنى هذا الكلام تعود إلى القبول ، وذلك أن ما يقبله الإنسان يقال قد ناله ووصل إليه ، فخاطب الله الخلق كعادتهم في مخاطبتهم (كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ) كرّر هذا للتذكير ، ومعنى (لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) هو قول الناحر : الله أكبر ؛ عند النحر ، فذكر في الآية الأولى الأمر بذكر اسم الله عليها ، وذكر هنا التكبير للدلالة على مشروعية الجمع بين التسمية والتكبير. وقيل : المراد بالتكبير وصفه سبحانه بما يدلّ على الكبرياء. ومعنى (عَلى ما هَداكُمْ) على ما أرشدكم إليه من علمكم بكيفية التقرّب بها ، و «ما» مصدرية ، أو موصولة (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) قيل : المراد بهم المخلصون ، وقيل : الموحّدون. والظاهر أن المراد بهم كل من يصدر منه من الخير ما يصحّ به إطلاق اسم المحسن عليه.
__________________
(١). لعلّ الصواب : قنع يقنع ـ بفتح النون ـ : إذا سأل. وقنع يقنع ؛ إذا رضي.