ولد لتمام ، وما سقط كان غير مخلقة ، أي : غير حيّ بإكمال خلقته بالروح. قال الفراء : مخلقة تامّ الخلق ، وغير مخلقة : السقط ، ومنه قول الشاعر :
أفي غير المخلقة البكاء |
|
فأين الحزم ويحك والحياء؟ |
واللام في (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) متعلّق بخلقنا ، أي : خلقناكم على هذا النمط البديع لنبيّن لكم كمال قدرتنا بتصريفنا أطوار خلقكم (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ) روى أبو حاتم عن أبي يزيد عن المفضّل عن عاصم أنه قرأ بنصب «نقرّ» عطفا على نبين ، وقرأ الجمهور (نُقِرُّ) بالرفع على الاستئناف ، أي : ونحن نقرّ. قال الزجاج : نقر بالرفع لا غير ، لأنه ليس المعنى فعلنا ذلك لنقرّ في الأرحام ما نشاء ، ومعنى الآية : ونثبت في الأرحام ما نشاء فلا يكون سقطا (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وهو وقت الولادة ، وقال ما نشاء ولم يقل من نشاء ، لأنه يرجع إلى الحمل وهو جماد قبل أن ينفخ فيه الروح ، وقرئ ليبين ويقرّ و : يخرجكم بالتحتية في الأفعال الثلاثة ، وقرأ ابن أبي وثّاب «ما نشاء» بكسر النون. (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) أي : نخرجكم من بطون أمهاتكم طفلا ، أي : أطفالا ، وإنما أفرده إرادة للجنس الشامل للواحد والمتعدد. قال الزجّاج : طفلا في معنى أطفالا ، ودلّ عليه ذكر الجماعة ؛ يعني في نخرجكم ، والعرب كثيرا ما تطلق اسم الواحد على الجماعة ، ومنه قول الشاعر :
يلحينني من حبّها ويلمنني |
|
إنّ العواذل لسن لي بأمير |
وقال المبرد : هو اسم يستعمل مصدرا كالرضا والعدل ، فيقع على الواحد والجمع ، قال الله سبحانه : (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا) (١). قال ابن جرير : هو منصوب على التمييز كقوله : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) (٢) وفيه بعد ، والظاهر انتصابه على الحال بالتأويل المذكور ، والطفل يطلق على الصغير من وقت انفصاله إلى البلوغ. (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) قيل : هو علّة لنخرجكم ، معطوف على علة أخرى مناسبة له ، كأنه قيل : نخرجكم لتكبروا شيئا فشيئا ثم لتبلغوا إلى الأشد ؛ وقيل : إن ثم زائدة ؛ والتقدير لتبلغوا ؛ وقيل : إنه معطوف على نبين ، والأشدّ هو كمال العقل وكمال القوّة والتمييز ، قيل : وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين. وقد تقدّم الكلام في هذا مستوفى في الأنعام. (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) يعني قبل بلوغ الأشدّ ، وقرئ «يتوفى» مبنيا للفاعل. وقرأ الجمهور (يُتَوَفَّى) مبنيا المفعول (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أي : أخسه وأدونه ، وهو الهرم والخرف حتى لا يعقل ، ولهذا قال سبحانه : (لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) أي : شيئا من الأشياء ، أو شيئا من العلم ، والمعنى : أنه يصير من بعد أن كان ذا علم بالأشياء وفهم لها ، لا علم له ولا فهم ، ومثله قوله : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ـ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) (٣) وقوله : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) (٤). (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) هذه حجّة أخرى على البعث ، فإنه سبحانه احتجّ بإحياء الأرض بإنزال الماء على إحياء الأموات ، والهامدة : اليابسة التي لا تنبت
__________________
(١). النور : ٣١.
(٢). النساء : ٤.
(٣). التين : ٤ و ٥.
(٤). يس : ٦٨.