هذه هي التي للغاية. والمعنى : إنّ هؤلاء المذكورين سابقا مستمرّون على ما هم عليه إلى يوم القيامة ، وهي يوم فتح سدّ يأجوج ومأجوج (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) الضمير ليأجوج ومأجوج. والحدب : كلّ أكمة من الأرض مرتفعة والجمع أحداب ، مأخوذ من حدبة الأرض ، ومعنى (يَنْسِلُونَ) : يسرعون ، وقيل : يخرجون. قال الزجّاج : والنسلان : مشية الذئب إذا أسرع. يقال : نسل فلان في العدو ينسل بالكسر والضم نسلا ونسولا ونسلانا ؛ أي : إن يأجوج ومأجوج من كلّ مرتفع من الأرض يسرعون المشي ، ويتفرقون في الأرض ؛ وقيل : الضمير في قوله : «وهم» لجميع الخلق ؛ والمعنى أنهم يحشرون إلى أرض الموقف وهم يسرعون من كلّ مرتفع من الأرض. وقرئ بضم السين ، حكى ذلك المهدوي عن ابن مسعود. وحكى هذه القراءة أيضا الثعلبي عن مجاهد وأبي الصهباء. (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ) عطف على «فتحت» ، والمراد ما بعد الفتح من الحساب. وقال الفراء والكسائي وغيرهما : المراد بالوعد الحق القيامة ، والواو زائدة ؛ والمعنى : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق وهو القيامة ، فاقترب جواب إذا ، وأنشد الفراء :
فلمّا أجزنا ساحة الحيّ وانتحى (١)
أي : انتحى. ومنه قوله تعالى : (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ـ وَنادَيْناهُ) (٢) ، وأجاز الفراء أن يكون جواب إذا (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وقال البصريون : الجواب محذوف ، والتقدير : قالوا يا ويلنا. وبه قال الزّجّاج ، والضمير في (فَإِذا هِيَ) للقصّة ، أو مبهم يفسّره ما بعده ، وإذا للمفاجأة ؛ وقيل إن الكلام تمّ عند قوله هي ، والتقدير : فإذا هي ، يعني القيامة بارزة واقعة كأنها آتية حاضرة ، ثم ابتدأ فقال : شاخصة أبصار الذين كفروا ، على تقديم الخبر على المبتدأ ، أي : أبصار الذين كفروا شاخصة ، و (يا وَيْلَنا) على تقدير القول (قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) أي : من هذا الذي دهمنا من البعث والحساب (بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ) أضربوا عن وصف أنفسهم بالغفلة ، أي : لم نكن غافلين ، بل كنّا ظالمين لأنفسنا بالتكذيب وعدم الانقياد للرسل.
وقد أخرج الحاكم وصحّحه ، عن ابن عباس في قوله : (وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) قال : كان في لسان امرأة زكريا طول فأصلحه الله. وروي نحو ذلك عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : وهبنا له ولدها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : كانت عاقرا فجعلها الله ولودا ، ووهب له منها يحيى ، وفي قوله : (وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) قال : أذلّاء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله : (يَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً) قال : رغبا في رحمة الله ورهبا من
__________________
(١). البيت لامرئ القيس ، وتمامه : بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل.
«البطن» : مكان مطمئن حوله أماكن مرتفعة. «الخبت» أرض مطمئنة. «الحقف» : رمل مشرف معوج.
«العقنقل» : الرمل المنعقد المتلبّد.
(٢). الصافات : ١٠٣ ، ١٠٤.