الضرب زيدا ، ومنه قول الشاعر (١) :
ولو ولدت قفيرة (٢) جرو كلب |
|
لسبّ بذلك الجرو الكلابا |
هكذا قال في توجيه هذه القراءة الفرّاء وأبو عبيد وثعلب ، وخطأها أبو حاتم والزجّاج وقالا : هي لحن لأنه نصب اسم ما لم يسمّ فاعله ، وإنما يقال نجّي المؤمنون. ولأبي عبيدة قول آخر ، وهو أنه أدغم النون في الجيم ، وبه قال القتبي. واعترضه النحاس فقال : هذا القول لا يجوز عند أحد من النحويين لبعد مخرج النون من مخرج الجيم فلا يدغم فيها ، ثم قال النحاس : لم أسمع في هذا أحسن من شيء سمعته من عليّ بن سليمان الأخفش قال : الأصل ننجي ، فحذف إحدى النونين لاجتماعهما ، كما تحذف إحدى التاءين لاجتماعهما ، نحو قوله تعالى : (وَلا تَفَرَّقُوا) (٣) والأصل : ولا تتفرّقوا. قلت : وكذا الواحدي عن أبي عليّ الفارسي أنه قال : إن النون الثانية تخفى مع الجيم ، ولا يجوز تبيينها ، فالتبس على السامع الإخفاء بالإدغام ، فظنّ أنه إدغام ، ويدلّ على هذا إسكانه الياء من نجي ونصب المؤمنين ، ولو كان على ما لم يسمّ فاعله ما سكن الياء ولوجب أن يرفع المؤمنين. قلت : ولا نسلم قوله إنه لا يجوز تبيينها فقد بينت في قراءة الجمهور ، وقرأ محمد بن السّميقع وأبو العالية (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) على البناء للفاعل ؛ أي : نجّى الله المؤمنين.
وقد أخرج ابن جرير عن مرّة في قوله : (إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ) قال : كان الحرث نبتا فنفشت فيه ليلا ، فاختصموا فيه إلى داود ، فقضى بالغنم لأصحاب الحرث ، فمرّوا على سليمان فذكروا ذلك له ، فقال : لا ، تدفع الغنم فيصيبون منها ، ويقوم هؤلاء على حرثهم ، فإذا كان كما كان ردّوا عليهم ، فنزلت (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ). وقد روي هذا عن مرّة عن ابن مسعود. وأخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن ابن مسعود في قوله : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ) قال : كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته الغنم ، فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم ، فقال سليمان : غير هذا يا نبيّ الله ، قال : وما ذاك؟ قال : يدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان ، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها ، حتى إذا عاد الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه والغنم إلى صاحبها ، فذلك قوله : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ). وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مسروق نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه ، ولكنه لم يذكر الكرم. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عنه نحوه بأطول منه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا (نَفَشَتْ) قال : رعت. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن حرام بن محيّصة : أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدت فيه ، فقضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار ، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها. وقد علّل هذا الحديث ، وقد بسطنا الكلام عليه في «شرح المنتقى». وأخرج ابن مردويه من حديث عائشة نحوه ،
__________________
(١). هو جرير.
(٢). أم الفرزدق.
(٣). آل عمران ١٠٣.