الله عباد الله لا يأنفون عن عبادته ولا يتعظمون عنها ، كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) (١) وقيل : المعنى : لا ينقطعون عن عبادته. وهذه المعاني متقاربة (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) أي : ينزّهون الله سبحانه دائما لا يضعفون عن ذلك ولا يسأمون ، وقيل : يصلون الليل والنهار. قال الزجّاج : مجرى التسبيح منهم كمجرى النفس منا لا يشغلنا عن النفس شيء ، فكذلك تسبيحهم دائم ، وهذه الجملة إما مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، أو في محل نصب على الحال (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) قال المفضل : مقصود هذا الاستفهام الجحد ، أي : لم يتّخذوا آلهة تقدر على الإحياء ، و «أم» هي المنقطعة ، والهمزة لإنكار الوقوع. قال المبرد : إن «أم» هنا بمعنى هل ، أي : هل اتخذ هؤلاء المشركون آلهة من الأرض يحيون الموتى ، ولا تكون «أم» هنا بمعنى بل ؛ لأن ذلك يوجب لهم إنشاء الموتى إلا أن تقدّر أم مع الاستفهام ، فتكون «أم» المنقطعة ، فيصحّ المعنى ، و «من الأرض» متعلّق باتخذوا ، أو بمحذوف هو صفة لآلهة ، ومعنى (هُمْ يُنْشِرُونَ) هم يبعثون الموتى ، والجملة صفة لآلهة ، وهذه الجملة هي التي يدور عليها الإنكار والتجهيل ، لا نفس الاتخاذ ، فإنه واقع منهم لا محالة. والمعنى : بل اتخذوا آلهة من الأرض هن خاصة مع حقارتهم ينشرون الموتى ، وليس الأمر كذلك ، فإن ما اتّخذوها آلهة بمعزل عن ذلك. قرأ الجمهور (يُنْشِرُونَ) بضم الياء وكسر الشين من أنشره ، أي : أحياه ، وقرأ الحسن بفتح الياء ، أي : يحيون ولا يموتون ، ثم إنه سبحانه أقام البرهان على بطلان تعدّد الآلهة ، فقال : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) أي : لو كان في السماوات والأرض آلهة معبودون غير الله لفسدتا ، أي : لبطلتا ، يعني السماوات والأرض بما فيهما من المخلوقات. قال الكسائي وسيبويه والأخفش والزجاج وجمهور النحاة : إن «إلا» هنا ليست للاستثناء ، بل بمعنى غير صفة لآلهة ، ولذلك ارتفع الاسم الذي بعدها ، وظهر فيه إعراب غير التي جاءت إلا بمعناها ، ومنه قول الشاعر :
وكلّ أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك إلّا الفرقدان |
وقال الفرّاء : إنّ «إلا» هنا بمعنى سوى ، والمعنى : لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسدتا ، ووجه الفساد أن كون مع الله إلها آخر يستلزم أن يكون كل واحد منهما قادرا على الاستبداد بالتصرف ، فيقع عند ذلك التنازع والاختلاف ، ويحدث بسببه الفساد ، اه. (فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من ثبوت الوحدانية بالبرهان ، أي : تنزّه عزوجل عمّا لا يليق به من ثبوت الشريك له ، وفيه إرشاد للعباد أن ينزّهوا الربّ سبحانه عمّا لا يليق به (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) هذه الجملة مستأنفة مبينة أنه سبحانه لقوّة سلطانه وعظيم جلاله لا يسأله أحد من خلقه عن شيء من قضائه وقدره (وَهُمْ) أي : العباد (يُسْئَلُونَ) عمّا يفعلون ، أي : يسألهم الله عن ذلك لأنهم عبيده. وقيل : إن المعنى أنه سبحانه لا يؤاخذ عل أفعاله وهم يؤاخذون. قيل : والمراد بذلك أنه سبحانه بين لعباده أن من يسأل عن أعماله كالمسيح والملائكة لا يصلح لأن يكون إلها (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) أي : بل اتخذوا ، وفيه إضراب وانتقال من
__________________
(١). الأعراف : ٢٠٦.