لا تخاف منه ولا تخشى منه (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ) أتبع هنا مطاوع تبع ، يقال : أتبعتهم إذا تبعتهم ، وذلك إذا سبقوك فلحقتهم ، فالمعنى : تبعهم فرعون ومعه جنوده. وقيل : الباء زائدة ، والأصل : اتبعهم جنوده ، أي : أمرهم أن يتبعوا موسى وقومه ، وقرئ فاتبعهم بالتشديد ؛ أي : لحقهم بجنوده وهو معهم ، كما يقال : ركب الأمير بسيفه ، أي : معه سيفه ، ومحل بجنوده النصب على الحال ، أي : سابقا جنوده معه (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) أي : علاهم وأصابهم ما علاهم وأصابهم ، والتكرير للتعظيم والتهويل ، كما في قوله : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ). وقيل : غشيهم ما سمعت قصته. وقال ابن الأنباري : غشيهم البعض الذي غشيهم ؛ لأنه لم يغشهم كلّ ماء البحر ، بل الذي غشيهم بعضه. فهذه العبارة للدلالة على أن الذي غرّقهم بعض الماء ، والأوّل أولى لما يدلّ عليه من التهويل والتعظيم. وقرئ : فغشاهم من اليمّ ما غشاهم ؛ أي : غطّاهم ما غطّاهم (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) أي : أضلهم عن الرشد ، وما هداهم إلى طريق النجاة ؛ لأنه قدّر أن موسى ومن معه لا يفوتونه لكونهم بين يديه يمشون في طريق يابسة ، وبين أيديهم البحر ، وفي قوله : (وَما هَدى) تأكيد لإضلاله ؛ لأن المضل قد يرشد من يضلّه في بعض الأمور (يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ) ذكر سبحانه ما أنعم به على بني إسرائيل بعد إنجائهم ، والتقدير : قلنا لهم بعد إنجائهم : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) ، ويجوز أن يكون خطابا لليهود المعاصرين لنبينا صلىاللهعليهوسلم ، لأن النعمة على الآباء معدودة من النعم على الأبناء ، والمراد بعدوّهم هنا فرعون وجنوده ، وذلك بإغراقه وإغراق قومه في البحر بمرأى من بني إسرائيل (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) انتصاب جانب على أنه مفعول به ، لا على الظرفية لأنه مكان معين غير مبهم ، وإنما تنتصب الأمكنة على الظرفية إذا كانت مبهمة. قال مكي : وهذا أصل لا خلاف فيه. قال النحّاس : والمعنى أمرنا موسى أن يأمركم بالخروج معه لنكلّمه بحضرتكم فتسمعوا الكلام ، وقيل : وعد موسى بعد إغراق فرعون أن يأتي جانب الطور ، فالوعد كان لموسى ، وإنما خوطبوا به لأن الوعد كان لأجلهم. وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب «ووعدناكم» بغير ألف ، واختاره أبو عبيدة ؛ لأن الوعد إنما هو من الله لموسى خاصة ، والمواعدة لا تكون إلا من اثنين ، وقد قدّمنا في البقرة هذا المعنى ، و «الأيمن» منصوب على أنه صفة للجانب ، والمراد يمين الشخص ؛ لأن الجبل ليس له يمين ولا شمال ، فإذا قيل : خذ عن يمين الجبل فمعناه عن يمينك من الجبل. وقرئ بجرّ «الأيمن» على أنه صفة للمضاف إليه (وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) قد تقدّم تفسير المنّ بالترنجبين والسلوى بالسّمانى ، وأوضحنا ذلك بما لا مزيد عليه ، وإنزال ذلك عليهم كان في التّيه. (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) أي : وقلنا لهم كلوا ، والمراد بالطيبات : المستلذات ، وقيل : الحلال ، على الخلاف المشهور في ذلك. وقرأ حمزة والكسائي والأعمش : قد أنجيتكم من عدوّكم ووعدتكم جانب الطور كلوا من طيبات ما رزقتكم بتاء المتكلم في الثلاثة. وقرأ الباقون بنون العظمة فيها. (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) الطغيان : التجاوز ؛ أي : لا تتجاوزوا ما هو جائز إلى ما لا يجوز ؛ وقيل : المعنى : لا تجحدوا نعمة الله فتكونوا طاغين ؛ وقيل : لا تكفروا النعمة ولا تنسوا شكرها ؛ وقيل : لا تعصوا المنعم ، أي : لا تحملنكم السعة والعافية على المعصية. ولا مانع من حمل الطغيان على جميع هذه المعاني ، فإن