بالحذف. قال ابن السّكّيت : يقال ما أستطيع ، وما أسطيع ، وما أستيع. وبالتخفيف قرأ الجمهور ، وقرأ حمزة وحده (فَمَا اسْطاعُوا) بتشديد الطاء كأنه أراد استطاعوا فأدغم التاء في الطاء وهي قراءة ضعيفة الوجه ، قال أبو علي الفارسي : هي غير جائزة. وقرأ الأعمش فما استطاعوا على الأصل ، ومعنى (أَنْ يَظْهَرُوهُ) أن يعلوه ؛ أي فما استطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوا على ذلك الردم لارتفاعه وملاسته (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) يقال نقبت الحائط : إذا خرقت فيه خرقا فخلص إلى ما وراءه. قال الزجّاج : ما قدروا أن يعلوا عليه لارتفاعه وانملاسه ، وما استطاعوا أن ينقبوه من أسفله لشدّته وصلابته (قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) أي قال ذو القرنين مشيرا إلى السدّ : هذا السدّ رحمة من ربي ، أي : أثر من آثار رحمته لهؤلاء المتجاوزين للسدّ ولمن خلفهم ممن يخشى عليه معرّتهم لو لم يكن ذلك السدّ ؛ وقيل : الإشارة إلى التمكين من بنائه (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) أي : أجل ربي أن يخرجوا منه ، وقيل : هو مصدر بمعنى المفعول ، وهو يوم القيامة (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) أي : مستويا بالأرض ، ومنه قوله : (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا) (١). قال الترمذي : أي : مستويا ، يقال ناقة دكاء : إذا ذهب سنامها. وقال القتبي : أي : جعله مدكوكا ملصقا بالأرض. وقال الحليمي : قطعا متكسرا. قال الشاعر :
هل غير غاد دكّ غارا فانهدم
قال الأزهري : دككته ، أي : دققته. ومن قرأ دكاء بالمد وهو عاصم وحمزة والكسائي أراد التشبيه بالناقة الدكاء ، وهي التي لا سنام لها ، أي : مثل دكاء ؛ لأن السد مذكر فلا يوصف بدكاء. وقرأ الباقون دكا بالتنوين على أنه مصدر ، ومعناه ما تقدّم ، ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى الحال ، أي : مدكوكا (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) أي : وعده بالثواب والعقاب ، أو الوعد المعهود حقا ثابتا لا يتخلّف ، وهذا آخر قول ذي القرنين.
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) قال : الجبلين أرمينية وأذربيجان. وأخرج أيضا عن ابن جريج (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) قال : الترك. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه عن ابن عباس قال : يأجوج ومأجوج شبر وشبران وأطولهم ثلاثة أشبار ؛ وهم من ولد آدم. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه ، والبيهقي في البعث ، وابن عساكر عن ابن عمرو عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم ، ولا يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا ، وإن من ورائهم ثلاث أمم : تأويل ، وتاريس ، ومنسك». وأخرج النسائي من حديث عمرو بن أوس عن أبيه مرفوعا : «إنه لا يموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا». وأخرج أحمد ، والترمذي وحسّنه ، وابن ماجة وابن أبي حاتم وابن حبان ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث ، عن أبي هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال :
__________________
(١). الفجر : ٢١.