استثقلوا اجتماع النونين فسكنت الأولى وأدغمت الثانية ، وضمير هو للشأن ، والجملة بعده خبره والمجموع خبر أنا ، والراجع ياء الضمير ، وتقدير الكلام : لكن أنا الشأن الله ربي. قال أهل العربية : إثبات ألف أنا في الوصل ضعيف. قال النحاس : مذهب الكسائي والفراء والمازني أن الأصل لكن أنا ، وذكر نحو ما قدّمنا. وروي عن الكسائي أن الأصل لكن الله هو ربي أنا. قال الزجاج : إثبات الألف في لكنا في الإدراج جيد لأنها قد حذفت الألف من أنا فجاؤوا بها عوضا ، قال : وفي قراءة أبيّ «لكن أنا هو الله ربي» وقرأ ابن عامر والمسيّبي عن نافع ، وورش عن يعقوب (لكِنَّا) في حال الوصل والوقف معا بإثبات الألف ، ومثله قول الشاعر :
أنا سيف العشيرة فاعرفوني |
|
حميدا فإنّي قد تذرّيت السّناما |
ومنه قول الأعشى :
فكيف أنا وانتحال (١) القوافي |
|
بعد الشيب يكفي ذاك عارا |
ولا خلاف في إثباتها في الوقف ، وقرأ أبو عبد الرحمن السّلمي وأبو العالية ، وروي عن الكسائي «لكن هو الله ربي» ، ثم نفى عن نفسه الشرك بالله ، فقال : (وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) وفيه إشارة إلى أن أخاه كان مشركا ، ثم أقبل عليه يلومه فقال : (وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ) لو لا للتحضيض : أي : هلا قلت عند ما دخلتها هذا القول. قال الفرّاء والزّجّاج : ما في موضع رفع على معنى الأمر ما شاء الله ، أي : هلا قلت حين دخلتها الأمر بمشيئة الله ، وما شاء الله كان ، ويجوز أن تكون ما مبتدأ والخبر مقدّر ، أي : ما شاء الله كائن ، ويجوز أن تكون ما شرطية والجواب محذوف ، أي : أيّ شيء شاء الله كان (لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) أي : هلا قلت ما شاء الله لا قوّة إلا بالله ، تحضيضا له على الاعتراف بأنها وما فيها بمشيئة الله ، إن شاء أبقاها وإن شاء أفناها ، وعلى الاعتراف بالعجز ، وأن ما تيسر له من عمارتها إنما هو بمعونة الله لا بقوّته وقدرته. قال الزجّاج : لا يقوى أحد على ما في يده من ملك ونعمة إلا بالله ، ولا يكون إلا ما شاء الله. ثم لمّا علمه الإيمان وتفويض الأمور إلى الله سبحانه أجابه على افتخاره بالمال والنفر فقال : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً) المفعول الأوّل ياء الضمير ، وأنا ضمير فصل ، وأقلّ المفعول الثاني للرؤية إن كانت علمية ، وإن جعلت بصرية كان انتصاب أقلّ على الحال ، ويجوز أن يكون أنا تأكيد لياء الضمير ، وانتصاب مالا وولدا على التمييز (فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ) هذا جواب الشرط ، أي : إن ترني أفقر منك ، فأنا أرجو أن يرزقني الله سبحانه جنة خيرا من جنتك في الدنيا أو في الآخرة أو في فيهما (وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً) أي : ويرسل على جنتك حسبانا ، والحسبان مصدر ، بمعنى الحساب كالغفران ؛ أي : مقدار قدّره الله عليها ، ووقع في حسابه سبحانه ، وهو الحكم بتخريبها. قال الزجّاج : الحسبان من الحساب ؛ أي : يرسل عليها عذاب الحساب ، وهو حساب ما كسبت يداك. وقال الأخفش : حسبانا ؛ أي : مرامي (مِنَ السَّماءِ) واحدها حسبانة ، وكذا قال أبو عبيدة والقتبي. وقال ابن الأعرابي : الحسبانة : السّحابة ،
__________________
(١). في المطبوع : وألحان.