أو فعل أو اعتقاد ، فمن تاب تاب الله عليه ، ومن رجع إلى الله رجع الله إليه ، ثم ذكر سبحانه التوصية بغير الوالدين من الأقارب بعد التوصية بهما فقال : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) والخطاب إمّا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم تهييجا وإلهابا لغيره من الأمة ، أو لكل من هو صالح لذلك من المكلّفين ، كما في قوله : (وَقَضى رَبُّكَ) والمراد بذي القربى ذو القرابة ، وحقّهم هو صلة الرحم التي أمر الله بها ، وكرّر التوصية فيها ، والخلاف بين أهل العلم في وجوب النفقة للقرابة ، أو لبعضهم كالوالدين على الأولاد ، والأولاد على الوالدين معروف ، والذي ينبغي الاعتماد عليه وجوب صلتهم بما تبلغ إليه القدرة وحسبما يقتضيه الحال (وَالْمِسْكِينَ) معطوف على «ذا القربى» وفي هذا العطف دليل على أن المراد بالحق الحق الماليّ (وَابْنَ السَّبِيلِ) معطوف على المسكين ، والمعنى : وآت من اتصف بالمسكنة ، أو بكونه من أبناء السبيل حقه. وقد تقدّم بيان حقيقة المسكين وابن السبيل في البقرة ، وفي التوبة ، والمراد في هذه الآية التصدّق عليهما بما بلغت إليه القدرة من صدقة النفل ، أو ممّا فرضه الله لهما من صدقة الفرض ، فإنهما من الأصناف الثمانية التي هي مصرف الزكاة. ثم لما أمر سبحانه بما أمر به هاهنا نهى عن التبذير فقال : (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) التبذير : تفريق المال ، كما يفرّق البذر كيفما كان من غير تعمّد لمواقعه ، وهو الإسراف المذموم لمجاوزته للحدّ المستحسن شرعا في الإنفاق ، أو هو الإنفاق في غير الحق ، وإن كان يسيرا. قال الشافعي : التبذير : إنفاق المال في غير حقه ، ولا تبذير في عمل الخير. قال القرطبيّ بعد حكايته لقول الشافعي هذا : وهذا قول الجمهور. قال أشهب عن مالك : التبذير : هو أخذ المال من حقه ، ووضعه في غير حقه ، وهو الإسراف ، وهو حرام لقوله : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) فإن هذه الجملة تعليل للنهي عن التبذير ، والمراد بالأخوة المماثلة التامة ، وتجنّب مماثلة الشيطان ولو في خصلة واحدة من خصاله واجب ، فكيف فيما هو أعمّ من ذلك كما يدلّ عليه إطلاق المماثلة ، والإسراف في الإنفاق من عمل الشيطان ، فإذا فعله أحد من بني آدم فقد أطاع الشيطان واقتدى به (وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) أي : كثير الكفران ، عظيم التمرّد عن الحق ؛ لأنه مع كفره لا يعمل إلا شرا ، ولا يأمر إلا بعمل الشرّ ، ولا يوسوس إلا بما لا خير فيه. وفي هذه الآية تسجيل على المبذرين بمماثلة الشياطين ، ثم التسجيل على جنس الشيطان بأنه كفور ، فاقتضى ذلك أن المبذر مماثل للشيطان ، وكل مماثل للشيطان له حكم الشيطان ، وكل شيطان كفور ، فالمبذّر كفور (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ) قد تقدّم قريبا أن أصل إما هذه مركب من إن الشرطية وما الإبهامية ، وأن دخول نون التأكيد على الشرط لمشابهته للنهي ، أي : إن أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل لأمر اضطرك إلى ذلك الإعراض (ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ) أي : لفقد رزق من ربك ولكنه أقام المسبب الذي هو ابتغاء رحمة الله مقام السبب الذي هو فقد الرزق ؛ لأن فاقد الرزق مبتغ له ؛ والمعنى : وإن أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو أن يفتح الله به عليك (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) أي : قولا سهلا لينا ؛ كالوعد الجميل أو الاعتذار المقبول. قال الكسائي : يسرت له القول أي لينته. قال الفراء : معنى الآية إن تعرض عن السائل إضاقة وإعسارا فقل لهم قولا ميسورا ؛ عدهم عدة حسنة. ويجوز أن يكون المعنى : وإن تعرض عنهم ولم تنفعهم لعدم استطاعتك فقل لهم قولا ميسورا ، وليس المراد هنا الإعراض