رقيبا ؛ لأن الكفيل يراعي حال المكفول به ، وقيل : إن توكيد اليمين هو حلف الإنسان على الشيء الواحد مرارا. وحكى القرطبيّ عن ابن عمر أن التوكيد هو أن يحلف مرتين ، فإن حلف واحدة فلا كفارة عليه (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) فيجازيكم بحسب ذلك ، إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ ، وفيه ترغيب وترهيب. ثم أكد وجوب الوفاء وتحريم النقض فقال : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) أي : لا تكونوا فيما تصنعون من النقض بعد التوكيد كالتي نقضت غزلها ، أي : ما غزلته (مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) أي : من بعد إبرام الغزل وإحكامه ، وهو متعلق بنقضت (أَنْكاثاً) جمع نكث بكسر النون ، ما ينكث فتله. قال الزجّاج : انتصب أنكاثا على المصدر ؛ لأن معنى نقضت نكثت ؛ وردّ بأن أنكاثا ليس بمصدر ، وإنما هو جمع كما ذكرنا. وقال الواحدي : هو منصوب على أنه مفعول ثان كما تقول كسرته أقطاعا وأجزاء ، أي : جعلته أقطاعا وأجزاء ، ويحتمل أن يكون حالا. قال ابن قتيبة : هذه الآية متعلّقة بما قبلها ، والتقدير : وأوفوا بعهد الله ولا تنقضوا الأيمان ، فإنكم إن فعلتم ذلك كنتم مثل امرأة غزلت غزلا وأحكمته ثم جعلته أنكاثا ، وجملة (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) في محل نصب على الحال. قال الجوهري : والدّخل المكر والخديعة ، وقال أبو عبيدة : كلّ أمر لم يكن صحيحا فهو دخل. وقيل : الدّخل ما أدخل في الشيء على فساده. وقال الزجاج : غشا ودغلا (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) أي بأن تكون جماعة هي أربى من جماعة ؛ أي : أكثر عددا منها وأوفر مالا. يقال : ربا الشيء يربو إذا كثر. قال الفرّاء : المعنى لا تغدروا بقوم لقلتهم وكثرتكم أو لقلتكم وكثرتهم وقد عزّرتموهم بالأيمان. قيل : وقد كانت قريش إذا رأوا شوكة في أعادي حلفائهم نقضوا عهدهم وحالفوا أعداءهم ، وقيل : هو تحذير للمؤمنين أن يغترّوا بكثرة قريش وسعة أموالهم فينقضوا بيعة النبيّ صلىاللهعليهوسلم (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) أي : يختبركم بكونكم أكثر وأوفر لينظر هل تتمسكون بحبل الوفاء أم تنقضون اغترارا بالكثرة؟ فالضمير في «به» راجع إلى مضمون جملة (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) أي : إنما يبلوكم الله بتلك الكثرة ليعلم ما تصنعون ، أو إنما يبلوكم الله بما يأمركم وينهاكم (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) فيوضح الحق والمحقين ويرفع درجاتهم ، ويبين الباطل والمبطلين فينزل بهم من العذاب ما يستحقونه ، وفي هذا إنذار وتحذير من مخالفة الحق والركون إلى الباطل ، أو يبين لكم ما كنتم تختلفون فيه من البعث والجنة والنار. ثم بين سبحانه أنه قادر على أن يجمع المؤمنين والكافرين على الوفاء أو على الإيمان فقال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) متفقة على الحق (وَلكِنْ) بحكم الإلهية (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) بخذلانه إياهم عدلا منه فيهم (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) بتوفيقه إياهم فضلا منه عليهم : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (١) ، ولهذا قال : (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من الأعمال في الدنيا ، واللام في. «وليبيننّ لكم» ، وفي «ولتسألنّ» هما الموطئتان للقسم. ثم لما نهاهم سبحانه عن نقض مطلق الأيمان نهاهم عن نقض أيمان مخصوصة فقال : (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) وهي أيمان البيعة. قال الواحدي : قال المفسرون : وهذا في نهي الذين بايعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن نقض العهد على الإسلام ونصرة الدين ، واستدلوا على هذا التخصيص بما في قوله : (فَتَزِلَّ
__________________
(١). الأنبياء : ٢٣.