تؤمر به ، أخذ من الصديع وهو الصبح انتهى. وأصل الصّدع الفرق والشق ، يقال : صدعته فانصدع ؛ أي : انشق ، وتصدّع القوم ، أي : تفرّقوا ، ومنه : (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) (١) أي : يتفرّقون. قال الفراء : أراد فاصدع بالأمر ؛ أي : أظهر دينك فما مع الفعل على هذا بمنزلة المصدر ، وقال ابن الأعرابي : معنى اصدع بما تؤمر ؛ أي : اقصد ؛ وقيل : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) أي : فرق جمعهم وكلمتهم بأن تدعوهم إلى التوحيد فإنهم يتفرّقون ، والأولى أن الصدع الإظهار ، كما قاله الزجّاج والفراء وغيرهم. قال النحويون : المعنى بما تؤمر به من الشرائع ، وجوّزوا أن تكون مصدرية ، أي : يأمرك وشأنك. قال الواحدي : قال المفسرون : أي : اجهر بالأمر. أي : بأمرك بعد إظهار الدعوة ، وما زال النبي صلىاللهعليهوسلم مستخفيا حتى نزلت هذه الآية ، ثم أمره سبحانه بعد أمره بالصدع بالإعراض وعدم الالتفات إلى المشركين ، فقال : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) أي : لا تبال بهم ولا تلتفت إليهم إذا لاموك على إظهار الدعوة ، ثم أكّد هذا الأمر وثبّت قلب رسوله بقوله : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) مع كونهم كانوا من أكابر الكفار ، وأهل الشوكة فيهم ، فإذا كفاه الله أمرهم بقمعهم وتدميرهم كفاه أمر من هو دونهم بالأولى ، وهؤلاء المستهزئون كانوا خمسة من رؤساء أهل مكة : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب بن الحارث بن زمعة ، والأسود بن عبد يغوث ، والحارث بن الطلاطلة. كذا قال القرطبي ووافقه غيره من المفسرين. وقد أهلكهم الله جميعا ، وكفاه أمرهم في يوم واحد ، ثم وصف هؤلاء المستهزئين بالشرك فقال : (الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) فلم يكن ذنبهم مجرّد الاستهزاء ، بل لهم ذنب آخر وهو الشرك بالله سبحانه ، ثم توعدهم فقال : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) كيف عاقبتهم في الآخرة وما يصيبهم من عقوبة الله سبحانه ، ثم ذكر تسلية أخرى لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد التسلية الأولى بكفايته شرهم ودفعه لمكرهم فقال : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ) من الأقوال الكفرية المتضمنة للطعن على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالسحر والجنون والكهان والكذب ، وقد كان يحصل ذلك مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمقتضى الجبلة البشرية والمزاج الإنساني ، ثم أمره سبحانه بأن يفزع لكشف ما نابه من ضيق الصدر إلى تسبيح الله سبحانه وحمده فقال : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي : متلبّسا بحمده ؛ أي : افعل التسبيح المتلبس بالحمد (وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) أي : المصلّين ، فإنك إذا فعلت ذلك كشف الله همك وأذهب غمك وشرح صدرك ، ثم أمره بعبادة ربه ، أي : بالدوام عليها إلى غاية هي قوله (حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) أي : الموت. قال الواحدي. قال جماعة المفسرين : يعني الموت لأنه موقن به. قال الزّجّاج : المعنى اعبد ربك أبدا ؛ لأنه لو قيل اعبد ربك بغير توقيت لجاز إذا عبد الإنسان مرّة أن يكون مطيعا ، فإذا قال حتى يأتيك اليقين ، فقد أمره بالإقامة على العبادة أبدا ما دام حيا.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن عمر في قوله : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) قال : السبع المثاني فاتحة الكتاب. وأخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني وابن مردويه والبيهقي من طرق عن علىّ بمثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود مثله وزاد : والقرآن العظيم
__________________
(١). الروم : ٤٣.