إبليس اللعين يتضمّن إغواء الجميع إلا المخلصين ، فدخل فيهم من لم يكن مخلصا ولا تابعا لإبليس غاويا. والحاصل أنّ بين المخلصين والغاوين التابعين لإبليس طائفة لم تكن مخلصة ولا غاوية تابعة لإبليس ؛ وقد قيل : إن الغاوين المتبعين لإبليس هم المشركون ، ويدلّ على ذلك قوله تعالى : (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (١) ، ثم قال الله سبحانه متوعّدا لأتباع إبليس : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) أي : موعد المتبعين الغاوين ، وأجمعين تأكيد للضمير أو حال (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ) يدخل أهل النار منها وإنما كانت سبعة لكثرة أهلها (لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ) أي : من الأتباع الغواة (جُزْءٌ مَقْسُومٌ) أي : قدر معلوم متميز عن غيره ؛ وقيل : المراد بالأبواب الأطباق طبق فوق طبق ، وهي : جهنم ، ثم لظى ، ثم الحطمة ، ثم السعير ، ثم سقر ، ثم الجحيم ، ثم الهاوية ؛ فأعلاها للموحدين ، والثانية لليهود ، والثالثة للنصارى ، والرابعة للصابئين ، والخامسة للمجوس ، والسادسة للمشركين ، والسابعة للمنافقين ، فجهنّم أعلى الطباق ، ثم ما بعدها تحتها ، ثم كذلك ، كذا قيل.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر ، وأبو الشيخ في العظمة ، عن ابن عباس قال : خلق الإنسان من ثلاث من طين لازب وصلصال وحمأ مسنون ، فالطين اللازب : اللازم الجيد ، والصلصال : المدقّق الذي يصنع منه الفخار ، والحمأ المسنون : الطين الذي فيه الحمأة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه قال : الصلصال الماء يقع على الأرض الطيبة ثم يحسر عنها فتشقق ثم تصير مثل الخزف الرقاق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال : الصلصال هو التراب اليابس الذي يبلّ بعد يبسه. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا : قال : الصلصال طين خلط برمل. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا. قال : الصلصال الذي إذا ضربته صلصل. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا. قال : الصلصال : الطين تعصر بيدك فيخرج الماء من بين أصابعك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) قال : من طين رطب. وأخرج هؤلاء عنه أيضا : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) قال : من طين منتن. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال : الجان مسيخ الجنّ ، كالقردة والخنازير مسيخ الإنس. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة : قال : الجانّ. هو إبليس خلق من قبل آدم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) قال : من أحسن النار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال : نار السموم : الحارة التي تقتل. وأخرج الطيالسي والفريابي وابن أبي حاتم والطبراني ، والحاكم وصحّحه ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن مسعود قال : السموم التي خلق منها الجانّ جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ، ثم قرأ : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) وأخرج ابن مردويه عنه مرفوعا.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) قال :
__________________
(١). النحل : ١٠٠.