أي : ألم تعلموا ، فمعنى الآية على هذا : أفلم يعلم الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا من غير أن يشاهدوا الآيات ؛ وقيل : إن الإياس على معناه الحقيقي ، أي : أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الكفار ، لعلمهم أن الله تعالى لو أراد هدايتهم لهداهم ؛ لأن المؤمنين تمنّوا نزول الآيات التي اقترحها الكفار طمعا في إيمانهم (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ) هذا وعيد للكفار على العموم أو لكفار مكة على الخصوص ، أي : لا يزال الذين كفروا تصيبهم بسبب ما صنعوا من الكفر والتكذيب للرسل قارعة ، أي : داهية تفجؤهم ، يقال : قرعه الأمر إذا أصابه ، والجمع قوارع ، والأصل في القرع الضرب. قال الشاعر (١) :
أفنى تلادي وما جمّعت من نشب |
|
قرع القواقيز أفواه الأباريق (٢) |
والمعنى : أن الكفار لا يزالون كذلك حتى تصيبهم داهية مهلكة من قتل أو أسر أو جدب أو نحو ذلك من العذاب ؛ وقد قيل : إن القارعة : النكبة ، وقيل : الطلائع والسرايا ، ولا يخفى أن القارعة تطلق على ما هو أعمّ من ذلك (أَوْ تَحُلُ) أي : القارعة (قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) فيفزعون منها ويشاهدون من آثارها ما ترجف له قلوبهم وترعد منه بوادرهم (٣) ، وقيل : إن الضمير في (تَحُلُ) للنبيّ صلىاللهعليهوسلم والمعنى : أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم محاصرا لهم آخذا بمخانقهم كما وقع منه صلىاللهعليهوسلم لأهل الطائف (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) وهو موتهم ، أو قيام الساعة عليهم ، فإنه إذا جاء وعد الله المحتوم حلّ بهم من عذابه ما هو الغاية في الشدّة ؛ وقيل : المراد بوعد الله هنا الإذن منه بقتال الكفار ، والأوّل أولى (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) فما جرى به وعده فهو كائن لا محالة (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) التنكير في رسل للتكثير ، أي : يرسل كثيرة ، والإملاء : الإمهال ، وقد مرّ تحقيقه في الأعراف (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) بالعذاب الذي أنزلته بهم (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) الاستفهام للتقريع والتهديد ، أي : فكيف كان عقابي لهؤلاء الكفار الذي استهزءوا بالرسل ، فأمليت لهم ثم أخذتم ، ثم استفهم سبحانه استفهاما آخر للتوبيخ والتقريب يجري مجرى الحجاج للكفار واستركاك صنعهم والإزراء عليهم ، فقال (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ) القائم الحفيظ والمتولّي للأمور ، وأراد سبحانه نفسه ، فإنّه المتولي لأمور خلقه المدبر لأحوالهم بالآجال والأرزاق ، وإحصاء الأعمال على كل نفس من الأنفس كائنة ما كانت ، والجواب محذوف ، أي : أفمن هو بهذه الصفة كمن ليس بهذه الصفة من معبوداتكم التي لا تنفع ولا تضرّ. قال الفراء : كأنه في المعنى أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت كشركائهم الذين اتخذوهم من دون الله ، والمراد من الآية إنكار المماثلة بينهما ؛ وقيل : المراد بمن هو قائم على كل نفس الملائكة الموكّلون ببني آدم ، والأوّل أولى ، وجملة (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) معطوفة على الجواب المقدّر مبينة له أو حالية بتقدير قد ، أي : وقد جعلوا ، أو معطوفة على (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ)
__________________
(١). هو الأقيشر الأسدي.
(٢). «نشب» : هو الضياع والبساتين. «القواقيز» : جمع قاقوزة ، وهي أوان يشرب بها الخمر.
(٣). بوادرهم : بادرة السيف : شباته ؛ أي : طرفه وحدّه.