الشيخ عن قتادة في قوله : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ) قال : حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية ، فكان الرجل لو جرّ كل جريرة ثم لجأ إلى الحرم لم يتناول ولم يقرب ، وكان الرجل لو لقي قاتل أبيه في الشهر الحرام لم يعرض له ولم يقربه ، وكان الرجل لو لقي الهدي مقلدا وهو يأكل العصب من الجوع لم يعرض له ولم يقربه ، وكان الرجل إذا أراد البيت تقلد قلادة من شعر فحمته ومنعته من الناس ، وكان إذا نفر تقلد قلادة من الإذخر أو من السمر ، فتمنعه من الناس حتى يأتي أهله ، حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية. وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم (قِياماً لِلنَّاسِ) قال : أمنا.
(قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (١٠٢) ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٠٣) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٠٤))
قيل : المراد بالخبيث والطيب : الحرام والحلال ، وقيل : المؤمن والكافر ، وقيل : العاصي والمطيع ، وقيل : الرديء والجيد. والأولى أن الاعتبار بعموم اللفظ فيشمل هذه المذكورات وغيرها مما يتصف بوصف الخبث والطيب من الأشخاص والأعمال والأقوال ، فالخبيث لا يساوي الطيب بحال من الأحوال. قوله : (وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) قيل الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : لكل مخاطب يصلح لخطابه بهذا. والمراد نفي الاستواء في كل الأحوال ، ولو في حال كون الخبيث معجبا للرائي للكثرة التي فيه ، فإن هذه الكثرة مع الخبيث في حكم العدم ، لأن خبث الشيء يبطل فائدته ، ويمحق بركته ، ويذهب بمنفعته ، والواو إما للحال أو للعطف على مقدّر : أي لا يستوي الخبيث والطيب لو لم تعجبك كثرة الخبيث ، ولو أعجبك كثرة الخبيث ، كقولك : أحسن إلى فلان وإن أساء إليك : أي أحسن إليه إن لم يسيء إليك وإن أساء إليك ، وجواب لو محذوف : أي ولو أعجبك كثرة الخبيث فلا يستويان. قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) أي لا تسألوا عن أشياء لا حاجة لكم بالسؤال عنها ولا هي مما يعنيكم في أمر دينكم ، فقوله : (إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) في محل جر صفة لأشياء أي لا تسألوا عن أشياء متصفة بهذه الصفة من كونها إذا بدت لكم : أي ظهرت وكلفتم بها ، ساءتكم ، نهاهم الله عن كثرة مساءلتهم لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن السؤال عما لا يعني ولا تدعو إليه حاجة قد يكون سببا لإيجابه على السائل وعلى غيره. قوله : (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) هذه الجملة من جملة صفة أشياء. والمعنى : لا تسألوا عن أشياء إن تسألوا عنها حين ينزل القرآن ، وذلك مع وجود رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين أظهركم ونزول الوحي عليه (تُبْدَ