(وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) هذا تعميم بعد التخصيص ، ثم أمرهم بأن يعلموا بأن الله لمن انتهك محارمه ولم يتب عن ذلك شديد العقاب ، وأنه لمن تاب وأناب غفور رحيم ، ثم أخبرهم أن ما على رسوله إلا البلاغ لهم ، فإن لم يمتثلوا ويطيعوا فما ضرّوا إلا أنفسهم وما جنوا إلا عليها ، وأما الرسول عليه الصلاة والسلام فقد فعل ما يجب عليه ، وقام بما أمره الله به.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) قال : إن قتله متعمدا أو ناسيا أو خطأ حكم عليه ، فإن عاد متعمّدا عجلت له العقوبة إلا أن يعفو الله عنه ، وفي قوله : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) قال : إذا قتل المحرم شيئا من الصيد حكم عليه فيه ، فإن قتل ظبيا أو نحوه فعليه شاة تذبح بمكة ، فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ، فإن قتل أيلا ونحوه فعليه بقرة ، فإن لم يجد أطعم عشرين مسكينا ، فإن لم يجد صام عشرين يوما ، وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نحوه فعليه بدنة ، فإن لم يجد أطعم ثلاثين مسكينا ، فإن لم يجد صام ثلاثين يوما ، والطعام مدّ مدّ يشبعهم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن الحكم أن عمر كتب أن يحكم عليه في الخطأ والعمد. وأخرجا نحوه عن عطاء. وقد روي نحو هذا عن جماعات من السلف من غير فرق بين العامد والخاطئ والناسي ، وروي عن آخرين اختصاص ذلك بالعامد.
وللسلف في تقدير الجزاء المماثل وتقدير القيمة أقوال مبسوطة في مواطنها. وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال في بيضة النعام : «صيام يوم أو إطعام مسكين». وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله ابن ذكوان عن النبي صلىاللهعليهوسلم مثله. وأخرج أيضا عن عائشة عنه صلىاللهعليهوسلم نحوه. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه من طريق أبي المهزّم عن أبي هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «في بيض النعام ثمنه». وقد استثنى النبي صلىاللهعليهوسلم من حيوانات الحرم الخمس الفواسق كما ورد ذلك في الأحاديث فإنه يجوز للمحرم أن يقتلها ولا شيء عليه. وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ) ما لفظه ميتا فهو طعامه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة موقوفا مثله. وأخرج أبو الشيخ عن أبي بكر الصدّيق نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة أن أبا بكر الصدّيق قال في قوله : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ) قال : صيد البحر ما تصطاده أيدينا ، وطعامه ما لاثه البحر ، وفي لفظ «طعامه كل ما فيه». وفي لفظ «طعامه ميتته». ويؤيد هذا ما في الصحيحين من حديث العنبر التي ألقاها البحر فأكل الصحابة منها وقرّرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ذلك ، وحديث هو «الطهور ماؤه والحلّ ميتته». وحديث «أحلّ لكم ميتتان ودمان». وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ) قال : قياما لدينهم ومعالم حجهم. وأخرج ابن جرير عنه قال : قيامها أن يأمن من توجه إليها. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال : جعل الله الكعبة البيت الحرام والشهر الحرام قياما للناس يأمنون به في الجاهلية الأولى ، لا يخاف بعضهم من بعض حين يلقونهم عند البيت أو في الحرم أو في الشهر الحرام. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو