الذي ندب إليه الشارع في كل كلام فهو على حدّ قوله : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) (١) روي نحو هذا عن أبي عبيد ، وهذه الأقوال هي جملة ما وقفنا عليه من أقوال أهل العلم. وقد نوقش بعضها بمناقشات ، ودفعت بدفوعات ، وقد أوضحت ذلك في رسالة مستقلة جمعتها في جواب سؤال ورد من بعض الأعلام. (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) قرأ الأعمش وحفص وحمزة والكسائي (سُعِدُوا) بضم السين ، وقرأ الباقون بفتح السين ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم. قال سيبويه : لا يقال سعد فلان كما لا يقال شقي فلان لكونه مما لا يتعدى قال النحاس : ورأيت عليّ ابن سليمان يتعجب من قراءة الكسائي بضم السين مع علمه بالعربية ، وهذا لحن لا يجوز ، ومعنى الآية كما مرّ في قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا). قوله : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) قد عرف من الأقوال المتقدّمة ما يصلح لحمل هذا الاستثناء عليه (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي يعطيهم الله عطاء غير مجذوذ ، والمجذوذ : المقطوع ، من جذه يجذه إذا قطعه ، والمعنى : أنه ممتد إلى غير نهاية.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) يقول : أضلّهم فأوردهم النار. وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال : فرعون يمضي بين أيدي قومه حتى يهجم بهم على النار. وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) قال : الورود : الدخول. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) قال : لعنة الدنيا والآخرة. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه : (مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ) يعني قرى عامرة ، وقرى خامدة. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة : منها قائم يرى مكانه ، وحصيد لا يرى له أثر. وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج : منها قائم خاو على عروشه ، وحصيد ملصق بالأرض. وأخرج أبو الشيخ عن أبي عاصم : (فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ) قال : ما نفعت. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ عن ابن عمر في قوله : (وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) أي : هلكة. وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد قال : تخسير. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة معناه. وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله سبحانه وتعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ). وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ) يقول : إنا سوف نفي لهم بما وعدناهم في الآخرة كما وفينا للأنبياء أنا ننصرهم. وأخرج ابن أبي شيبة ، وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) قال : يوم القيامة. وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ عن مجاهد مثله. وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج في قوله : (يَوْمَ يَأْتِ) قال : ذلك اليوم. وأخرجه الترمذي ، وحسنه ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال : «لما نزلت (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) قلت : يا رسول الله! فعلام نعمل على شيء قد فرغ منه ، أو على شيء لم يفرغ منه؟ قال : بل على شيء قد فرغ منه وجرت
__________________
(١). الفتح : ٢٧.