الصدر ، والشهيق من الحلق ، وقيل : الزفير : ترديد النفس من شدّة الخوف ، والشهيق : النفس الطويل الممتد ، والجملة إما مستأنفة كأنه قيل : ما حالهم فيها؟ أو في محل نصب على الحال (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) أي : مدّة دوامهما.
وقد اختلف العلماء في بيان معنى هذا التّوقيت ، لأنه قد علم بالأدلة القطعية تأييد عذاب الكفار في النار ، وعدم انقطاعه عنهم ، وثبت أيضا أن السموات والأرض تذهب عند انقضاء أيام الدنيا ، فقالت طائفة : إن هذا الإخبار جار على ما كانت العرب تعتاده إذا أرادوا المبالغة في دوام الشيء ، قالوا : هو دائم ما دامت السموات والأرض ، ومنه قولهم : لا آتيك ما جنّ ليل ، وما اختلف الليل والنهار ، وما ناح الحمام ونحو ذلك. فيكون معنى الآية أنهم خالدون فيها أبدا لا انقطاع لذلك ولا انتهاء له ؛ وقيل : إن المراد سموات الآخرة وأرضها ، فقد ورد ما يدل على أن للآخرة سموات وأرضا غير هذه الموجودة في الدنيا ، وهي دائمة بدوام دار الآخرة ، وأيضا لا بدّ لهم من موضع يقلهم ، وآخر يظلهم ، وهما أرض وسماء. قوله : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) قد اختلف أهل العلم في معنى هذا الاستثناء على أقوال : الأوّل أنه من قوله : (فَفِي النَّارِ) كأنه قال : إلا ما شاء ربك من تأخير قوم عن ذلك. روى هذا أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري. الثاني : في الاستثناء إنما هو للعصاة من الموحدين ، وأنهم يخرجون بعد مدة من النار ، وعلى هذا يكون قوله سبحانه : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) عاما في الكفرة والعصاة ، ويكون الاستثناء من خالدين ، وتكون ما بمعنى من ، وبهذا قال قتادة والضحاك وأبو سنان وغيرهم. وقد ثبت بالأحاديث المتواترة تواترا يفيد العلم الضروري بأنه يخرج من النار أهل التوحيد ، فكان ذلك مخصصا لكلّ عموم. الثالث : أن الاستثناء من الزفير والشهيق ، أي : لهم فيها زفير وشهيق (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) من أنواع العذاب غير الزّفير والشّهيق ، قاله ابن الأنباري. الرابع : أن معنى الاستثناء : أنهم خالدون فيها ما دامت السموات والأرض لا يموتون إلا ما شاء ربك ، فإنه يأمر النار فتأكلهم حتى يفنوا ، ثم يجدّد الله خلقهم ؛ روى ذلك عن ابن مسعود. الخامس : أن إلا بمعنى سوى. والمعنى ما دامت السموات والأرض سوى ما يتجاوز ذلك من الخلود ، كأنه ذكر في خلودهم ما ليس عند العرب أطول منه ، ثم زاد عليه الدوام الذي لا آخر له حكاه الزجاج. السادس : ما روى عن الفراء وابن الأنباري وابن قتيبة من أن هذا لا ينافي عدم المشيئة كقولك : والله لأضربنه إلا أن أرى غير ذلك ، ونوقش هذا بأن معنى الآية الحكم بخلودهم إلا المدة التي شاء الله ، فالمشيئة قد حصلت جزما ، وقد حكى هذا القول الزجاج أيضا. السابع : أن المعنى خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من مقدار موقفهم في قبورهم وللحساب ، حكاه الزجاج أيضا. الثامن : أن المعنى : خالدين فيها إلا ما شاء ربك من زيادة النعيم لأهل النعيم ، وزيادة العذاب لأهل الجحيم ؛ حكاه أيضا الزجاج ، واختاره الحكيم الترمذي. التاسع أن إلا بمعنى الواو قاله الفراء ، والمعنى وما شاء ربك من الزيادة ، قال مكي : وهذا القول بعيد عند البصريين أن تكون إلا بمعنى الواو. العاشر : أن إلا بمعنى الكاف. والتقدير : كما شاء ربك ، ومنه قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) (١) أي كما قد سلف ، الحادي عشر : أن هذا الاستثناء إنما هو على سبيل الاستثناء
__________________
(١). النساء : ٢٢.