العقر لها (فَقالَ) لهم صالح : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) أي : تمتعوا بالعيش في منازلكم ثلاثة أيام ، فإنّ العقاب نازل عليكم بعدها ؛ قيل : إنهم عقروها يوم الأربعاء ، فأقاموا الخميس والجمعة والسبت وأتاهم العذاب يوم الأحد ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى ما يدل عليه الأمر بالتمتع ثلاثة أيام (وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) أي : غير مكذوب فيه ، فحذف الجارّ اتساعا ، أو من باب المجاز كأن الوعد إذا وفي به ، صدق ولم يكذب ، ويجوز أن يكون مصدرا ، أي : وعد غير كذب (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أي : عذابنا ، أو أمرنا بوقوع العذاب (نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) قد تقدّم تفسير هذا في قصة هود (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) أي : ونجيناهم من خزي يومئذ وهو هلاكهم بالصيحة ، والخزي : الذل والمهانة ؛ وقيل : من عذاب يوم القيامة ، والأوّل أولى. وقرأ نافع والكسائي : بفتح يوم ، على أنه اكتسب البناء من المضاف إليه. وقرأ الباقون : بالكسر (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) القادر الغالب الذي لا يعجزه شيء (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) أي : في اليوم الرابع من عقر الناقة ، صيح بهم فماتوا ، وذكر الفعل لأن الصيحة والصياح واحد مع كون التأنيث غير حقيقي ؛ قيل : صيحة جبريل ، وقيل : صيحة من السماء ، فتقطعت قلوبهم وماتوا ، وتقدّم في الأعراف : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) (١) قيل : ولعلها وقعت عقب الصيحة (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) أي : ساقطين على وجوههم ، موتى قد لصقوا بالتراب ، كالطير إذا جثمت (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) أي : كأنهم لم يقيموا في بلادهم أو ديارهم ، والجملة في محل نصب على الحال ، والتقدير : مماثلين لمن لم يوجد ولم يقم في مقام قط (أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ) وضع الظاهر موضع المضمر لزيادة البيان ، وصرح بكفرهم مع كونه معلوما : تعليلا للدعاء عليهم بقوله : (أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) وقرأ الكسائي : بالتنوين. وقد تقدم تفسير هذه القصة في الأعراف بما يحتاج إلى مراجعته ليضم ما في إحدى القصّتين من الفوائد إلى الأخرى.
وقد أخرج أبو الشيخ عن السدي (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) قال : خلقكم من الأرض. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) قال : أعمركم فيها. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) قال : استخلفكم فيها. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد (فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ) يقول : ما تزدادون أنتم إلا خسارا. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء الخراساني نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) قال : ميتين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) قال : كأن لم يعيشوا فيها. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه ، قال : كأن لم يعمروا فيها. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : كأن لم ينعموا فيها.
(وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (٧١) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي
__________________
(١). الأعراف : ٧٨.