يستخلف في دياركم وأموالكم قوما آخرين ، ويجوز أن يكون عطفا على : فقد أبلغتكم. وروى حفص عن عاصم أنه قرأ (وَيَسْتَخْلِفُ) بالجزم حملا على موضع فقد أبلغتكم (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) أي : بتوليكم ، ولا تقدرون على كثير من الضرر ولا حقير (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) أي : رقيب مهيمن عليه بحفظه من كل شيء ، قيل : وعلى بمعنى اللام ، فيكون المعنى : لكل شيء حفيظ فهو يحفظني من أن تنالوني بسوء (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أي : عذابنا الذي هو إهلاك عاد (نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) من قومه (بِرَحْمَةٍ مِنَّا) أي : برحمة عظيمة كائنة منا لأنه لا ينجو أحد إلا برحمة الله ، وقيل : هي الإيمان (مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) أي : شديد ، قيل : وهو السموم التي كانت تدخل أنوفهم (وَتِلْكَ عادٌ) مبتدأ وخبر ، وأنت الإشارة اعتبارا بالقبيلة. قال الكسائي : إن من العرب من لا يصرف عاد ويجعله اسما للقبيلة (جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) أي : كفروا بها وكذبوها وأنكروا المعجزات (وَعَصَوْا رُسُلَهُ) أي : هودا وحده ، لأنه لم يكن في عصره رسول سواه ، وإنما جمع هنا لأنّ من كذب رسولا فقد كذب جميع الرسل ؛ وقيل : إنهم عصوا هودا ومن كان قبله من الرسل ، أو كانوا بحيث لو بعث الله إليهم رسلا متعدّدين لكذبوهم (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) الجبار المتكبر ، والعنيد : الطاغي الذي لا يقبل الحق ولا يذعن له. قال أبو عبيدة : العنيد والعنود والعاند والمعاند ، وهو المعارض بالخلاف منه ، ومنه قيل للعرق الذي يتفجر بالدم عاند. قال الراجز :
إنّي كبير لا أطيق العنّدا
(وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) أي : ألحقوها ، وهي الإبعاد من الرحمة ، والطرد من الخير ، والمعنى : أنها لازمة لهم لا تفارقهم ما داموا في الدنيا (وَ) أتبعوها (يَوْمَ الْقِيامَةِ) فلعنوا هنالك كما لعنوا في الدنيا (أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ) أي : بربهم. وقال الفراء : كفروا نعمة ربهم ، يقال : كفرته ، وكفرت به : مثل : شكرته وشكرت له (أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ) أي : لا زالوا مبعدين من رحمة الله ، والبعد : الهلاك ، والبعد : التباعد من الخير ، يقال : بعد يبعد بعدا : إذا تأخر وتباعد ، وبعد يبعد بعدا : إذا هلك ، ومنه قول الشاعر :
لا يبعدن قومي الّذين هم |
|
سمّ العداة وآفة الجزر |
وقال النابغة :
فلا تبعدن إنّ المنيّة منهل |
|
وكلّ امرئ يوما به الحال زائل |
ومنه قول الشاعر :
ما كان ينفعني مقال نسائهم |
|
وقتلت دون رجالهم لا تبعد |
وقد تقدّم أن العرب تستعمله في الدعاء بالهلاك.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن قتادة : (إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي)