قال ابن جرير : خصّ قوم يونس من بين الأمم بأن تيب عليهم من بعد معاينة العذاب ، وحكي ذلك عن جماعة من المفسرين. وقال الزجّاج : إنه لم يقع العذاب ، وإنما رأوا العلامة التي تدل على العذاب ، ولو رأوا عين العذاب لما نفعهم الإيمان ، وهذا أولى من قول ابن جرير. والمراد بعذاب الخزي : الذي كشفه الله عنهم ، وهو العذاب الذي كان قد وعدهم يونس أنه سينزل عليهم ولم يروه ، أو الذي قد رأوا علاماته دون عينه (وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) أي : بعد كشف العذاب عنهم متعهم الله في الدنيا إلى حين معلوم قدره لهم. ثم بين سبحانه : أن الإيمان وضده كلاهما بمشيئة الله وتقديره ، فقال : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ) بحيث لا يخرج عنهم أحد (جَمِيعاً) مجتمعين على الإيمان لا يتفرّقون فيه ويختلفون ، ولكنه لم يشأ ذلك ، لكونه مخالفا للمصلحة التي أرادها الله سبحانه ، وانتصاب (جَمِيعاً) على الحال كما قال سيبويه. قال الأخفش : جاء بقوله : جميعا ، بعد كلهم للتأكيد ، كقوله : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) (١) ولما كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم حريصا على إيمان جميع الناس أخبره الله بأن ذلك لا يكون ، لأن مشيئته الجارية على الحكمة البالغة والمصالح الراجحة لا تقتضي ذلك ، فقال : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) فإن ذلك ليس في وسعك يا محمد! ولا داخل تحت قدرتك ، وفي هذا تسلية له صلىاللهعليهوسلم ، ودفع لما يضيق به صدره من طلب صلاح الكل ، الذي لو كان ، لم يكن صلاحا محققا بل يكون إلى الفساد أقرب ، ولله الحكمة البالغة. ثم بين سبحانه ما تقدم بقوله : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي : ما صح وما استقام لنفس من الأنفس أن تؤمن بالله إلا بإذنه ، أي : بتسهيله وتيسيره ومشيئته لذلك ، فلا يقع غير ما يشاؤه كائنا ما كان (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) أي : العذاب ، أو الكفر ، أو الخذلان الذي هو سبب العذاب. وقرأ الحسن وأبو بكر والمفضل (وَنَجْعَلُ) بالنون. وفي الرجس لغتان : ضم الراء ، وكسرها ، والمراد بالذين لا يعقلون : هم الكفار الذي لا يتعقلون حجج الله ، ولا يتفكرون في آياته ، ولا يتدبرون فيما نصبه لهم من الأدلة.
وقد أخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن قتادة في قوله : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) قال : بوّأهم الله الشام وبيت المقدس. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك قال : منازل صدق : مصر والشام. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله (فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) قال : العلم كتاب الله الذي أنزله ، وأمره الذي أمرهم به. وقد ورد في الحديث أن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة ، وأن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، وهو في السنن والمسانيد ، والكلام فيه يطول. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍ) الآية ، قال : لم يشك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يسأل. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : لا أشك ولا أسأل. وهو مرسل. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) قال : التوراة والإنجيل ، الذين أدركوا محمدا من أهل الكتاب وآمنوا به ، يقول : سلهم إن كنت في شكّ بأنك مكتوب عندهم. وأخرج عبد
__________________
(١). النحل : ٥١.