وأنّ التوراة شاهدة بذلك ناطقة به ، وفي هذا الوجه مع حسنه مخالفة للظاهر. وقال القتبيّ : المراد بهذه الآية من كان من الكفار غير قاطع بتكذيب النبي صلىاللهعليهوسلم ولا بتصديقه ، بل كان في شك. وقيل : المراد بالخطاب النبي صلىاللهعليهوسلم لا غيره. والمعنى : لو كنت ممن يلحقه الشك فيما أخبرناك به فسألت أهل الكتاب لأزالوا عنك الشك. وقيل : الشك هو ضيق الصدر ، أي : إن ضاق صدرك بكفر هؤلاء فاصبر واسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك يخبروك بصبر من قبلك من الأنبياء على أذى قومهم. وقيل : معنى الآية : الفرض والتقدير ، كأنه قال له : فإن وقع لك شك مثلا ، وخيل لك الشيطان خيالا منه تقديرا ، فاسأل الذين يقرءون الكتاب ، فإنهم سيخبرونك عن نبوّتك وما نزل عليك ، ويعترفون بذلك لأنهم يجدونه مكتوبا عندهم ، وقد زال فيمن أسلم منهم ما كان مقتضيا للكتم عندهم. قوله : (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) في هذا بيان ما يقلع الشك من أصله ، ويذهب به بجملته ، وهو شهادة الله سبحانه بأن هذا الذي وقع الشك فيه على اختلاف التفاسير في الشاك هو الحق الذي لا يخالطه باطل ، ولا تشوبه شبهة ، ثم عقبه بالنهي للنبي صلىاللهعليهوسلم عن الامتراء فيما أنزل الله عليه ، بل يستمر على ما هو عليه من اليقين وانتفاء الشك. ويمكن أن يكون هذا النهي له تعريضا لغيره كما في مواطن من الكتاب العزيز ، وهكذا القول في نهيه صلىاللهعليهوسلم عن التكذيب بآيات الله ، فإن الظاهر فيه التعريض ولا سيما بعد تعقيبه بقوله : (فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ) وفي هذا التعريض من الزجر للممترين والمكذبين ما هو أبلغ وأوقع من النهي لهم أنفسهم ، لأنه إذا كان بحيث ينهى عنه من لا يتصوّر صدوره عنه ، فكيف بمن يمكن منه ذلك. قوله : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) قد تقدّم مثله في هذه السورة ، والمعنى : أنه حق عليهم قضاء الله وقدره : بأنهم يصرّون على الكفر ، ويموتون عليه ، لا يقع منهم الإيمان بحال من الأحوال ، وإن وقع منهم ما صورته صورة الإيمان ، كمن يؤمن منهم عند معاينة العذاب فهو في حكم العدم (وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) من الآيات التكوينية والتنزيلية ، فإن ذلك لا ينفعهم ؛ لأن الله سبحانه قد طبع على قلوبهم وحق منه القول عليهم (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) فيقع منهم ما صورته صورة الإيمان وليس بإيمان ، ولا يترتب عليه شيء من أحكامه. قوله : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها) لولا هذه : هي التحضيضية التي بمعنى هلا ، كما قال الأخفش والكسائي وغيرهما ، ويدل على ذلك ما في مصحف أبيّ وابن مسعود فهلا قرية والمعنى : فهلا قرية واحدة من هذه القرى التي أهلكناها آمنت إيمانا معتدّا به ، وذلك بأن يكون خالصا لله قبل معاينة عذابه ، ولم يؤخره كما أخره فرعون ، والاستثناء بقوله : (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) منقطع ، وهو استثناء من القرى لأن المراد أهلها : والمعنى : لكن قوم يونس (لَمَّا آمَنُوا) إيمانا معتدّا به قبل معاينة العذاب أو عند أوّل المعاينة قبل حلوله بهم (كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ) وقد قال بأن هذا الاستثناء منقطع جماعة من الأئمة ، منهم الكسائي والأخفش والفراء ؛ وقيل : يجوز أن يكون متصلا ، والجملة في معنى النفي ، كأنه قيل : ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس ، وانتصابه على أصل الاستثناء. وقرئ بالرفع على البدل. وقال الزّجّاج في توجيه الرفع : يكون المعنى غير قوم يونس. ولكن حملت «إلا» عليها وتعذر جعل الإعراب عليها ، فأعرب الاسم الذي بعدها بإعراب غير ،