وفسق دون فسق. وأخرج سعيد بن منصور وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : إنّما أنزل الله (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) ـ و ـ (الظَّالِمُونَ) ـ و ـ (الْفاسِقُونَ) في اليهود خاصة. وقد روي نحو هذا عن جماعة من السلف. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن حذيفة ، أن هذه الآيات ذكرت عنده (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) ـ و ـ (الظَّالِمُونَ) ـ و ـ (الْفاسِقُونَ) فقال رجل : إنّ هذا في بني إسرائيل ، فقال حذيفة : نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل ، إن كان لكم كل حلوة ولهم كل مرّة ، كلا ؛ والله لتسلكنّ طريقهم قدّ الشراك. وأخرج ابن المنذر نحوه عن ابن عباس.
(وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥) وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٤٦) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤٧) وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠))
قوله : (وَكَتَبْنا) معطوف على أنزلنا التوراة ، ومعناها فرضنا ، بيّن الله سبحانه في هذه الآية ما فرضه على بني إسرائيل ؛ من القصاص في النفس ، والعين ، والأنف ، والأذن ، والسنّ ، والجروح. وقد استدلّ أبو حنيفة وجماعة من أهل العلم بهذه الآية فقالوا : إنه يقتل المسلم بالذميّ لأنه نفس. وقال الشافعي وجماعة من أهل العلم : إن هذه الآية خبر عن شرع من قبلنا وليس بشرع لنا. وقد قدّمنا في البقرة في شرح قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) (١) ما فيه كفاية.
وقد اختلف أهل العلم في شرع من قبلنا هل يلزمنا أم لا؟ فذهب الجمهور إلى أنه يلزمنا إذا لم ينسخ وهو الحق. وقد ذكر ابن الصباغ في الشامل إجماع العلماء على الاحتجاج بهذه الآية على ما دلت عليه. قال ابن كثير في تفسيره : وقد احتجّ الأئمة كلّهم على أن الرجل يقتل بالمرأة لعموم هذه الآية الكريمة ، انتهى.
وقد أوضحنا ما هو الحقّ في هذا في شرحنا على «المنتقى» ، وفي هذه الآية توبيخ لليهود وتقريع لكونهم
__________________
(١). البقرة : ١٧٨.