(مَكانَكُمْ) أي : الزموا مكانكم ، واثبتوا فيه ، وقفوا في موضعكم (أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) هذا الضمير تأكيد للضمير الذي في مكانكم لسدّه مسدّ الزموا ، وشركاؤكم : معطوف عليه. وقرئ بنصب شركاؤكم على أن الواو واو مع. قوله : (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) : أي فرّقنا وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا. يقال زيلته فتزيل : أي : فرقته فتفرق ، والمزايلة : المفارقة ، يقال زايله مزايلة وزيالا إذا فارقه ، والتزايل : التباين قال الفراء : وقرأ بعضهم فزايلنا والمراد بالشركاء هنا : الملائكة ، وقيل : الشياطين ، وقيل : الأصنام ، وإن الله سبحانه ينطقها في هذا الوقت. وقيل : المسيح ، وعزير ، والظاهر أنه كل معبود للمشركين كائنا ما كان ، وجملة (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) في محل نصب على الحال بتقدير قد ، والمعنى : وقد قال شركاؤهم الذين عبدوهم وجعلوهم شركاء لله سبحانه : ما كنتم إيانا تعبدون ، وإنما عبدتم هواكم وضلالكم وشياطينكم الذين أغووكم ، وإنما أضاف الشركاء إليهم مع أنهم جعلوهم شركاء لله سبحانه ، لكونهم جعلوا لهم نصيبا من أموالهم ، فهم شركاؤهم في أموالهم من هذه الحيثية ، وقيل : لكونهم شركاؤهم في هذا الخطاب ، وهذا الجحد من الشركاء وإن كان مخالفا لما قد وقع من المشركين من عبادتهم ، فمعناه إنكار عبادتهم إياهم عن أمرهم بالعبادة (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) إن كنا أمرنا بعبادتنا أو رضينا ذلك منكم (إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) إن هي المخففة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية ، والقائل لهذا الكلام : هم المعبودون. قالوا لمن عبدهم من المشركين : إنا كنا عن عبادتكم لنا لغافلين ، والمراد بالغفلة هنا : عدم الرضا بما فعله المشركون من العبادة لهم ، وفي هذا دليل على أن هؤلاء المعبودين غير الشياطين لأنهم يرضون بما فعله المشركون من عبادتهم ، ويمكن أن يكونوا من الشياطين ، ويحمل هذا الجحد منهم على أنهم لم يجبروهم على عبادتهم ، ولا أكرهوهم عليها. (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) أي : في ذلك المكان ، وفي ذلك الموقف ، أو في ذلك الوقت على استعارة اسم الزمان للمكان ، تذوق كل نفس وتختبر جزاء ما أسلفت من العمل ، فمعنى (تَبْلُوا) تذوق وتختبر ، وقيل : تعلم ، وقيل : تتبع ، وهذا على قراءة من قرأ (تَبْلُوا) بالمثناة الفوقية بإسناد الفعل إلى كل نفس ؛ وأما على قراءة من قرأ نبلو بالنون ، فالمعنى : أن الله يبتلي كل نفس ويختبرها ، ويكون ما أسلفت بدلا من كل نفس. والمعنى : أنه يعاملها معاملة من يختبرها ، ويتفقد أحوالها. قوله : (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) معطوف على (فَزَيَّلْنا) ، والضمير في ردّوا عائد إلى الذين أشركوا ، أي : ردّوا إلى جزائه ، وما أعدّ لهم من عقابه ، ومولاهم : ربهم ، والحق صفة له ، أي : الصادق الربوبية دون ما اتخذوه من المعبودات الباطلة ، وقرئ : الحق بالنصب على المدح ، كقولهم : الحمد لله أهل الحمد (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي : ضاع وبطل ما كانوا يفترون ، من أن الآلهة التي لهم حقيقة بالعبادة لتشفع لهم إلى الله وتقرّبهم إليه. والحاصل أن هؤلاء المشركين يرجعون في ذلك المقام إلى الحقّ ، ويعترفون به ، ويقرّون ببطلان ما كانوا يعبدونه ويجعلونه إلها ، ولكن حين لا ينفعهم ذلك.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) قال : اختلط فنبت بالماء كل لون (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ) كالحنطة ، والشعير ، وسائر حبوب الأرض ، والبقول ، والثمار ،