غير ذلك مما لا فائدة في ذكره ، وسيأتي بيان ما هو الحق في آخر البحث (وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ) معنى يرهق : يلحق ، ومنه قيل : غلام مراهق إذا لحق بالرجال ، وقيل : يعلو ، وقيل : يغشى ، والمعنى متقارب ؛ والقتر : الغبار ، ومنه قول الفرزدق :
متوّج برداء الملك يتبعه |
|
موج ترى فوقه الرايات والقترا |
وقرأ الحسن : قتر بإسكان المثناة ، والمعنى واحد ، قاله النحّاس ، وواحد القتر : قترة ، والذلّة : ما يظهر على الوجه من الخضوع ، والانكسار والهوان ، والمعنى : أنه لا يعلو وجوههم غبرة ، ولا يظهر فيها هوان ؛ وقيل : القتر : الكآبة ، وقيل : سواد الوجوه ، وقيل : هو دخان النار (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) الإشارة إلى المتّصفين بالصفات السابقة ، هم أصحاب الجنة الخالدون فيها ، المتنعمون بأنواع نعيمها (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) هذا الفريق الثاني من أهل الدعوة ، وهو معطوف على (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) كأنه قيل : وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها ، أو يقدر : وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها ، أي : يجازي سيئة واحدة بسيئة واحدة لا يزاد عليها ، وهذا أولى من الأوّل لكونه من باب العطف على معمولي عاملين مختلفين ؛ والمراد بالسيئة : إما الشرك ، أو المعاصي التي ليست بشرك ، وهي ما يتلبس به العصاة من المعاصي ، قال ابن كيسان : الباء زائدة ، والمعنى : جزاء سيئة مثلها ؛ وقيل : الباء ما بعدها الخبر ، وهي متعلقة بمحذوف قامت مقامه ، والمعنى : جزاء سيئة كائن بمثلها ، كقولك : إنما أنا بك ، ويجوز أن يتعلق بجزاء ، والتقدير : جزاء بمثلها كائن ، فحذف خبر المبتدأ ، ويجوز أن يكون (جَزاءُ) مرفوعا على تقدير : فلهم جزاء سيئة ، فيكون مثل قوله : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) أي : فعليه عدّة ، والباء على هذا التقدير : متعلّقة بمحذوف كأنه قال لهم : جزاء سيئة ثابت بمثلها ، أو تكون مؤكدة ، أو زائدة. قوله : (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) أي : يغشاهم هوان ، وخزي. وقرئ : يرهقهم بالتحتية ، (ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) أي : لا يعصمهم أحد كائنا من كان من سخط الله وعذابه ، أو ما لهم من جهة الله ومن عنده من يعصمهم كما يكون للمؤمنين ، والأوّل أولى ، والجملة : في محل نصب على الحالية ، أو مستأنفة. (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) قطعا : جمع قطعة ، وعلى هذا يكون مظلما : منتصبا على الحال من الليل ، أي : أغشيت وجوههم قطعا من الليل في حالة ظلمته. وقد قرأ بالجمع جمهور القراء. وقرأ الكسائي وابن كثير (قِطَعاً) بإسكان الطاء ، فيكون مظلما على هذا صفة لقطعا ، ويجوز أن يكون حالا من الليل. قال ابن السكيت : القطع طائفة من الليل (أُولئِكَ) أي : الموصوفون بهذه الصفات الذميمة (أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) وإطلاق الخلود هنا مقيد بما تواتر في السنة من خروج عصاة الموحدين. قوله : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) الحشر : الجمع ، وجميعا : منتصب على الحال (وَيَوْمَ) : منصوب بمضمر ، أي : أنذرهم يوم نحشرهم ، والجملة مستأنفة لبيان بعض أحوالهم القبيحة. والمعنى : أن الله سبحانه يحشر العابد والمعبود لسؤالهم (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) في حالة الحشر ، ووقت الجمع تقريعا لهم على رؤوس الأشهاد ، وتوبيخا لهم مع حضور من يشاركهم في العبادة ، وحضور معبوداتهم