أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) أي : غلب على ظنونهم أو تيقنوا أنهم قادرون على حصادها والانتفاع بها ، والضمير في : عليها للأرض ، والمراد : النبات الذي هو عليها (أَتاها أَمْرُنا) جواب إذا ، أي : جاءها أمرنا بإهلاكها واستئصالها وضربها ببعض العاهات (فَجَعَلْناها حَصِيداً) أي : جعلنا زرعها شبيها بالمحصود في قطعة من أصوله. قال أبو عبيدة : الحصيد : المستأصل (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) أي : كأن لم يكن زرعها موجودا فيها بالأمس مخضرّا طريا ، من غني بالمكان بالكسر يغنى بالفتح إذا أقام به ، والمراد بالأمس : الوقت القريب ، والمغاني في اللغة : المنازل. وقال قتادة : كأن لم تنعم ، قال لبيد :
وغنيت سبتا قبل مجرى داحس |
|
لو كان للنفس اللّجوج خلود |
وقرأ قتادة : كأن لم يغن بالتحتية بإرجاع الضمير إلى الزخرف. وقرأ من عداه : (تَغْنَ) بالفوقية بإرجاع الضمير إلى الأرض (كَذلِكَ) أي : مثل ذلك التفصيل البديع (نُفَصِّلُ الْآياتِ) القرآنية التي من جملتها هذه الآية (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فيما اشتملت عليه ، ويجوز أن يراد : الآيات التكوينية. قوله : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) لما نفر عباده عن الميل إلى الدنيا بما ضربه لهم من المثل السابق ؛ رغبهم في الدار الآخرة بإخبارهم بهذه الدعوة منه عزوجل إلى دار السلام ، قال الحسن وقتادة : السلام : هو الله تعالى ، وداره : الجنة. وقال الزجاج : المعنى : والله يدعو إلى دار السلامة : ومعنى السلام والسلامة : واحد ؛ كالرضاع والرضاعة ، ومنه قول الشاعر :
تحيي بالسّلامة أمّ بكر |
|
وهل لك بعد قومك من سلام |
وقيل : أراد دار السلام الذي هو التحية ، لأن أهلها ينالون من الله السلام بمعنى التحية كما في قوله : (تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) ؛ وقيل : السلام اسم لأحد الجنان السبع ؛ أحدها : دار السلام ، والثانية : دار الجلال ، والثالثة : جنة عدن ، والرابعة : جنة المأوى ، والخامسة : جنة الخلد ، والسادسة : جنة الفردوس ، والسابعة : جنة النعيم. وقيل : المراد دار السلام الواقع من المؤمنين بعضهم على بعض في الجنة ، وقد اتفقوا على أن دار السلام هي الجنة ، وإنما اختلفوا في سبب التسمية بدار السلام (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) جعل سبحانه الدعوة إلى دار السلام عامة ، والهداية خاصة بمن يشاء أن يهديه تكميلا للحجة ، وإظهارا للاستغناء عن خلقه ، ثم قسم سبحانه أهل الدعوة إلى قسمين ، وبين حال كل طائفة فقال : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) أي : الذين أحسنوا بالقيام بما أوجبه الله عليهم من الأعمال ، والكفّ عما نهاهم عنه من المعاصي ، والمراد بالحسنى : المثوبة الحسنى. قال ابن الأنباري : العرب توقع هذه اللفظة على الخصلة المحبوبة المرغوب فيها ، ولذلك ترك موصوفها ؛ وقيل : المراد بالحسنى الجنة ، وأما الزيادة فقيل : المراد بها ما يزيد على المثوبة من التفضل كقوله : (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) (١) وقيل : الزيادة : النظر إلى وجهه الكريم ؛ وقيل : الزيادة هي مضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها ؛ وقيل : الزيادة غرفة من لؤلؤ ، وقيل : الزيادة مغفرة من الله ورضوان ؛ وقيل : هي أنه سبحانه يعطيهم في الدنيا من فضله ما لا يحاسبهم عليه ؛ وقيل
__________________
(١). فاطر : ٣٠.