المرجون لأمر الله ، من أرجيته وأرجأته : إذا أخرته ، قرأ حمزة والكسائي ونافع وحفص : (مُرْجَوْنَ) بالواو من غير همز. وقرأ الباقون : بالهمزة المضمومة بعد الجيم. والمعنى : أنهم مؤخرون في تلك الحال ؛ لا يقطع لهم بالتوبة ولا بعدمها ، بل هم على ما يتبين من أمر الله سبحانه في شأنهم (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ) إن بقوا على ما هم عليه ، ولم يتوبوا (وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) إن تابوا توبة صحيحة ، وأخلصوا إخلاصا تاما ، والجملة : في محل نصب على الحال ، والتقدير : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) حال كونهم : إما معذّبين ، وإما متوبا عليهم (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوالهم (حَكِيمٌ) فيما يفعله بهم من خير أو شرّ.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نعيم في المعرفة عن أبي موسى أنه سئل عن قوله : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) فقال : هم الذين صلّوا القبلتين جميعا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم عن سعيد بن المسيب مثله. وأخرج ابن المنذر وأبو نعيم عن الحسن ومحمد بن سيرين مثله أيضا وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : هم أبو بكر وعمر وعليّ وسلمان وعمار بن ياسر. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن الشعبي قال : هم من أدرك بيعة الرضوان. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) قال : التابعون. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : هم من بقي من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة. وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن أبي صخر حميد بن زياد قال : قلت لمحمد بن كعب القرظي : أخبرني عن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإنما أريد الفتن ، قال : إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم وأوجب لهم الجنة في كتابه محسنهم ومسيئهم ، قلت له : وفي أيّ موضع أوجب الله لهم الجنة في كتابه؟ قال : ألا تقرؤون قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) الآية أوجب لجميع أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم الجنة والرضوان ، وشرط على التابعين شرطا لم يشرطه فيهم قلت : وما اشترط عليهم؟ قال : اشترط عليهم أن يتّبعوهم بإحسان. يقول : يقتدون بهم في أعمالهم الحسنة ، ولا يقتدون بهم في غير ذلك. قال أبو صخر : فو الله لكأني لم أقرأها قبل ذلك ، وما عرفت تفسيرها حتى قرأها عليّ ابن كعب. وأخرج ابن مردويه من طريق الأوزاعي قال : حدّثني يحيى بن أبي كثير والقاسم ومكحول وعبدة بن أبي لبابة وحسان بن عطية أنهم سمعوا جماعة من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم يقولون لما أنزلت هذه الآية : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) إلى قوله : (وَرَضُوا عَنْهُ) قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هذا لأمتي كلّهم ، وليس بعد الرّضا سخط». وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ) الآية ، قال : قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم جمعة خطيبا ، فقال : «قم يا فلان ؛ فاخرج فإنك منافق ، اخرج يا فلان ؛ فإنك منافق ، فأخرجهم بأسمائهم ففضحهم» ، ولم يكن عمر بن الخطاب يشهد تلك الجمعة لحاجة كانت له ، فلقيهم عمر وهم يخرجون من المسجد فاختبأ منهم استحياء أنه لم يشهد الجمعة ، وظن الناس قد انصرفوا ، واختبئوا هم من عمر ، وظنّوا أنه قد علم بأمرهم ، فدخل عمر المسجد فإذا الناس لم ينصرفوا ، فقال له رجل : أبشر يا عمر فقد فضح الله المنافقين اليوم ، فهو العذاب الأوّل ، والعذاب الثاني : عذاب القبر.