تزكيهم يا محمد بالصدقة المأخوذة ، والأوّل أولى لما في الثاني من الاختلاف في الضميرين في الفعلين المتعاطفين ؛ وعلى الأوّل : فالفعلان منتصبان على الحال ، وعلى الثاني فالفعل الأوّل صفة لصدقة ، والثاني حال منه صلىاللهعليهوسلم. ومعنى التطهير : إذهاب ما يتعلّق بهم من أثر الذنوب ، ومعنى التّزكية : المبالغة في التطهير. قال الزجّاج : والأجود أن تكون المخاطبة للنبي صلىاللهعليهوسلم ؛ أي : فإنك يا محمد تطهرهم وتزكيهم بها ، على القطع والاستئناف ، ويجوز الجزم على جواب الأمر. والمعنى : أن تأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم. وقد قرأ الحسن بجزم تطهرهم. وعلى هذه القراءة فيكون (وَتُزَكِّيهِمْ) على تقدير مبتدأ ؛ أي : وأنت تزكيهم بها. قوله : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) : أي : ادع لهم بعد أخذك لتلك الصدقة من أموالهم. قال النحّاس : وحكى أهل اللغة جميعا فيما علمناه أن الصّلاة في كلام العرب : الدعاء ، ثم علّل سبحانه أمره لرسوله صلىاللهعليهوسلم بالصّلاة على من يأخذ من الصدقة فقال (إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) قرأ حفص وحمزة والكسائي «صلاتك» بالتوحيد. وقرأ الباقون بالجمع ، والسكن ما تسكن إليه النفس وتطمئن به. قوله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) لما تاب الله سبحانه على هؤلاء المذكورين سابقا. قال الله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا) أي غير التّائبين ، أو التّائبون قبل أن يتوب الله عليهم ويقبل صدقاتهم (أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ) لاستغنائه عن طاعة المطيعين ، وعدم مبالاته بمعصية العاصين. وقرئ : ألم تعلموا بالفوقية ، وهو إما خطاب للتائبين ، أو لجماعة من المؤمنين ، ومعنى (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) : أي : يتقبلها منهم ، وفي إسناد الأخذ إليه سبحانه بعد أمره لرسوله صلىاللهعليهوسلم بأخذها تشريف عظيم لهذه الطاعة ولمن فعلها. وقوله : (وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) معطوف على قوله : (أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) مع تضمنه لتأكيد ما اشتمل عليه المعطوف عليه ، أي : أن هذا شأنه سبحانه. وفي صيغة المبالغة في التواب وفي الرحيم مع توسيط ضمير الفصل. والتأكيد من التبشير لعباده ، والترغيب لهم ، ما لا يخفى. قوله : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) فيه تخويف وتهديد ؛ أي : إنّ عملكم لا يخفى على الله ولا على رسوله ولا على المؤمنين ، فسارعوا إلى أعمال الخير ، وأخلصوا أعمالكم لله عزوجل ، وفيه أيضا ترغيب وتنشيط ، فإن من علم أن عمله لا يخفى سواء كان خيرا أو شرّا رغب إلى أعمال الخير ، وتجنب أعمال الشرّ ، وما أحسن قول زهير :
ومهما تكن عند امرئ من خليقة |
|
وإن خالها تخفى على النّاس تعلم |
والمراد بالرؤية هنا العلم بما يصدر منهم من الأعمال ، ثم جاء سبحانه بوعيد شديد فقال (وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي : وستردون بعد الموت إلى الله سبحانه الذي يعلم ما تسرّونه ، وما تعلنونه ، وما تخفونه وما تبدونه ، وفي تقديم الغيب على الشهادة ؛ إشعار بسعة علمه عزوجل ، وأنه لا يخفى عليه شيء ، ويستوي عنده كل معلوم. ثم ذكر سبحانه ما سيكون عقب ردّهم إليه فقال (فَيُنَبِّئُكُمْ) أي : يخبركم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في الدنيا ، فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، ويتفضل على من يشاء من عباده. قوله : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) ذكر سبحانه ثلاثة أقسام في المتخلفين : الأوّل : المنافقون الذين مردوا على النفاق ، والثاني : التائبون المعترفون بذنوبهم ، الثالث : الذين بقي أمرهم موقوفا في تلك الحال ، وهم