(٨٦) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٨٧))
قوله : (ماتَ) صفة لأحد ، و (أَبَداً) ظرف لتأبيد النفي. قال الزجاج : معنى قوله : (وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له ؛ فمنع هاهنا منه ؛ وقيل معناه : لا تقم بمهمات إصلاح قبره ، وجملة (إِنَّهُمْ كَفَرُوا) تعليل للنهي ، وإنما وصفهم بالفسق بعد وصفهم بالكفر ؛ لأنّ الكافر قد يكون عدلا في دينه ، والكذب والنّفاق والخداع والجبن والخبث مستقبحة في كلّ دين. ثم نهى رسوله عن أن تعجبه أموالهم وأولادهم ، وهو تكرير لما سبق في هذه السورة وتقرير لمضمونه ؛ وقيل : إن الآية المتقدّمة في قوم ، وهذه في آخرين ، وقيل : هذه في اليهود ، والأولى : في المنافقين ؛ وقيل : غير ذلك. وقد تقدّم في الآية الأولى جميع ما يحتاج إليه في تفسير هذه الآية ، ثم عاد الله سبحانه إلى توبيخ المنافقين ، فقال : (وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) أي : من القرآن ، ويجوز أن يراد بعض السورة ، وأن يراد : تمامها ؛ وقيل : هي هذه السورة ، أي : سورة براءة و «أن» في (أَنْ آمِنُوا بِاللهِ) مفسرة لما في الإنزال من معنى القول ؛ أو مصدرية حذف منها الجارّ ، أي : بأن آمنوا ، وإنما قدّم الأمر بالإيمان لأن الاشتغال بالجهاد لا يفيد إلّا بعد الإيمان (اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ) أي : ذوو الفضل والسعة ، من طال عليه طولا ، كذا قال ابن العباس والحسن ، وقال الأصمّ : الرؤساء ، والكبراء المنظور إليهم ، وخصهم بالذكر لأن الذم لهم ألزم ، إذ لا عذر لهم في القعود (وَقالُوا ذَرْنا) أي : اتركنا (نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ) أي : المتخلفين عن الغزو من المعذورين ؛ كالضعفاء والزمنى ، والخوالف : النساء اللاتي يخلفن الرجال في القعود في البيوت ، جمع خالفة ، وجوّز بعضهم أن يكون جمع خالف ، وهو من لا خير فيه (وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) هو كقوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) وقد مرّ تفسيره (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) شيئا مما فيه نفعهم وضرهم ، بل هم كالأنعام.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر قال : لما توفي عبد الله بن أبيّ بن سلول أتى ابنه عبد الله رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه فأعطاه ، ثم سأله أن يصلي عليه ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقام عمر فأخذ ثوبه فقال : يا رسول الله! أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال : «إنّ ربي خيرني وقال : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) وسأزيد على السبعين ، فقال : إنه منافق ، فصلّى عليه فأنزل الله : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) الآية فترك الصلاة عليهم». وأخرج ابن ماجة والبزار وابن جرير وابن مردويه عن جابر قال : مات رأس المنافقين بالمدينة فأوصى أن يصلي عليه النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأن يكفنه في قميصه ، فجاء ابنه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : إن أبي أوصى أن يكفن في قميصك ، فصلى عليه وألبسه قميصه وقام على قبره ، فأنزل الله (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ). وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (أُولُوا الطَّوْلِ) قال : أهل الغني. وأخرج هؤلاء عن ابن عباس في قوله : (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) قال : مع النساء. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في الآية قال : رضوا بأن يقعدوا كما قعدت النساء. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال : الخوالف : النساء.