اللبن ، أي : فسد بطول المكث في السقاء. ذكر معناه الأصمعي. وقرئ : (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) وقال الفراء : معناه المخالفين.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عروة أن عبد الله بن أبيّ قال : لو لا أنكم تنفقون على محمد وأصحابه لانفضوا من حوله ، وهو القائل : (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) (١) فأنزل الله (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : لأزيدنّ على السبعين ، فأنزل الله (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ).
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه. وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم والنحاس وابن حبان وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال : سمعت عمر يقول : لما توفي عبد الله بن أبيّ دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم للصلاة عليه فقام عليه ، فلما وقف قلت : أعلى عدوّ الله عبد الله بن أبيّ القائل كذا وكذا ، والقائل كذا وكذا؟ أعدد أيامه ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يتبسم حتى إذا أكثرت قال : يا عمر أخر عني ، إني قد خيرت ، قد قيل لي : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت عليها ، ثم صلى عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومشى معه حتى قام على قبره حتى فرغ منه ، فعجبت لي ولجرأتي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والله ورسوله أعلم ، فو الله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) فما صلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم على منافق بعد حتى قبضه الله عزوجل. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ) الآية قال : عن غزوة تبوك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر الناس أن ينبعثوا معه ، وذلك في الصيف ، فقال رجل : يا رسول الله! الحر شديد ولا نستطيع الخروج فلا تنفروا في الحر ، فقال الله : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) فأمره بالخروج. وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) قال : هم المنافقون والكفار الذين اتخذوا دينهم هزوا ولعبا ، يقول الله : فليضحكوا قليلا في الدنيا : وليبكوا كثيرا في الآخرة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ) قال : ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلا من المنافقين وفيهم قيل ما قيل. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) قال : هم الرجال الذين تخلفوا عن الغزو.
(وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٨٥) وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ
__________________
(١). المنافقون : ٨.