(لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٨٩))
المقصود من الاستدراك بقوله : (لكِنِ الرَّسُولُ) إلى آخره ؛ الإشعار بأن تخلف هؤلاء غير ضائر ، فإنه قد قام بفريضة الجهاد من هو خير منهم ، وأخلص نية كما في قوله : (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) (١). وقد تقدّم بيان الجهاد بالأموال ، والأنفس ، ثم ذكر منافع الجهاد فقال : (وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ) وهي : جمع خير ، فيشمل منافع الدنيا والدين ؛ وقيل المراد به : النساء الحسان كقوله تعالى : (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ) (٢) ومفردة خيرة بالتشديد ، ثم خففت مثل هينة وهينة. وقد تقدّم معنى الفلاح ، والمراد به هنا : الفائزون بالمطلوب ، وتكرير اسم الإشارة لتفخيم شأنهم ، وتعظيم أمرهم ، والجنات : البساتين. وقد تقدم بيان جري الأنهار من تحتها ، وبيان الخلود والفوز ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى ما تقدّم من الخيرات والفلاح ، وإعداد الجنّات الموصوفة بتلك الصفة ؛ ووصف الفوز بكونه عظيما ؛ يدلّ على أنه الفرد الكامل من أنواع الفوز.
وقد أخرج القرطبي في تفسيره عن الحسن أنه قال الخيرات : هنّ النّساء الحسان.
(وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٠))
قرأ الأعرج والضّحّاك : (الْمُعَذِّرُونَ) بالتّخفيف ، من أعذر ، ورواها أبو كريب عن أبي بكر عن عاصم ، ورواها أصحاب القراءات عن ابن عباس. قال في الصحاح : وكان ابن عباس يقرأ (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ) مخففة من أعذر. ويقول : والله هكذا أنزلت. قال النحاس : إلا أن مدارها على الكلبي ، وهي من أعذر : إذا بالغ في العذر ، ومنه «من أنذر فقد أعذر» أي : بالغ في العذر. وقرأ الجمهور (الْمُعَذِّرُونَ) بالتشديد ففيه وجهان ، أحدهما أن يكون أصله المعتذرون فأدغمت التاء في الذال ، وهم الذين لهم عذر ، ومنه قول لبيد :
إلى الحول ثم اسم السّلام عليكما |
|
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر |
فالمعذرون على هذا : هم المحقّون في اعتذارهم. وقد روي هذا عن الفرّاء ، والزّجّاج ، وابن الأنباري ؛ وقيل : هو من عذّر ، وهو الذي يعتذر ولا عذر له ، يقال : عذر في الأمر : إذا قصر واعتذر بما ليس بعذر ، ذكره الجوهري ، وصاحب الكشاف ؛ فالمعذرون على هذا : هم المبطلون ، لأنهم اعتذروا بأعذار باطلة لا أصل لها. وروي عن الأخفش ، والفراء ، وأبي حاتم ، وأبي عبيد ، أنه يجوز كسر العين لالتقاء الساكنين وضمها للاتباع. والمعنى : أنه جاء هؤلاء من الأعراب بما جاءوا به من الأعذار بحق أو بباطل على كلا التفسيرين لأجل أن يأذن لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالتخلف عن الغزو ، وطائفة أخرى لم يعتذروا ، بل قعدوا عن الغزو لغير عذر ،
__________________
(١). الأنعام : ٨٩.
(٢). الرحمن : ٧٠.