النبيّ صلىاللهعليهوسلم أذن خير للمنافقين (وَرَحْمَةٌ) لهم ، حيث لم يكشف أسرارهم ، ولا فضحهم ، فكأنه قال : هو أذن كما قلتم لكنه أذن خير لكم ، لا أذن سوء ، فسلم لهم قولهم فيه إلا أنه فسّره بما هو مدح له ، وثناء عليه ، وإن كانوا قصدوا به المذمة ، والتقصير بفطنته ، ومعنى (لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) أي : الذين أظهروا الإيمان ؛ وإن لم يكونوا مؤمنين حقيقة (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ) صلىاللهعليهوسلم بما تقدّم من قولهم : هو أذن ، ونحو ذلك مما يصدق عليه أنه أذية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : شديد الألم. وقرأ ابن أبي عبلة : (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) بالنصب على أنها علة لمعلل محذوف ؛ أي : ورحمة لكم يأذن لكم. ثم ذكر أن من قبائح المنافقين إقدامهم على الأيمان الكاذبة ، فقال : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) والخطاب للمؤمنين. وذلك أنّ المنافقين كانوا في خلواتهم يطعنون على المؤمنين ، وعلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فإذا بلغ ذلك إلى رسول الله ؛ وإلى المؤمنين جاء المنافقون فحلفوا على أنهم لم يقولوا ما بلغ عنهم ، قاصدين بهذه الأيمان الكاذبة أن يرضوا رسول الله ومن معه من المؤمنين ، فنعى الله ذلك عليهم ، وقال : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) أي : هما أحق بذلك من إرضاء المؤمنين بالأيمان الكاذبة ، فإنهم لو اتقوا الله ؛ وآمنوا به ؛ وتركوا النفاق لكان ذلك أولى لهم ، وإفراد الضمير في يرضوه : إما للتعظيم للجناب الإلهيّ بإفراده بالذكر ؛ أو لكونه لا فرق بين إرضاء الله ، وإرضاء رسوله ، فإرضاء الله إرضاء لرسوله ؛ أو المراد : الله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك ، كما قال سيبويه ، ورجحه النحاس ؛ أو لأن الضمير موضوع موضع اسم الإشارة ، فإنه يشار به إلى الواحد والمتعدّد ؛ أو الضمير راجع إلى المذكور ، وهو يصدق عليهما. وقال الفراء : المعنى ورسوله أحق أن يرضوه ، (وَاللهُ) افتتاح كلام كما تقول : ما شاء الله وشئت ، وهذه الجملة أعني (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) في محل نصب على الحال ، وجواب (إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ) محذوف ، أي : إن كانوا مؤمنين فليرضوا الله ورسوله. قوله (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ). قرأ الحسن وابن هرم ألم تعلموا بالفوقية. وقرأ الباقون بالتحتية ، والمحاددة : وقوع هذا في حدّ ، وذلك في حد كالمشاققة : يقال : حادّ فلان فلانا : أي : صار في حدّ غير حده (فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) قرأ الجمهور بفتح الهمزة على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : فحق أن له نار جهنم. وقال الخليل وسيبويه : إن «أن» الثانية مبدلة من الأولى ، وزعم المبرد أن هذا القول مردود ، وأن الصحيح ما قال الجرمي : أن الثانية مكرّرة للتوكيد لما طال الكلام. وقال الأخفش : المعنى فوجوب النار له ، وأنكره المبرد وقال : هذا خطأ من أجل أن «أن» المفتوحة المشدّدة لا يبتدأ بها ويضمر الخبر. وقرئ بكسر الهمزة. قال سيبويه : وهي قراءة جيدة ، وأنشد :
وأنّي إذا ملّت ركابي مناخها |
|
فإنّي على حظّي من الأمر جامح |
وانتصاب خالدا على الحال ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى ما ذكر من العذاب ، وهو مبتدأ ، وخبره (الْخِزْيُ الْعَظِيمُ) أي : الخزي البالغ إلى الغاية التي لا يبلغ إليها غيره ، وهو الذلّ والهوان. قوله : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ) قيل : هو خبر ، وليس بأمر. وقال الزّجّاج : معناه : ليحذر. فالمعنى على القول الأوّل : أن المنافقين كانوا يحذرون نزول القرآن فيهم ، وعلى الثاني : الأمر لهم بأن يحذروا ذلك ،