و (أَنْ تُنَزَّلَ) في موضع نصب ، أي : من أن تنزل ، ويجوز على قول سيبويه أن يكون في موضع خفض على تقدير من وإعمالها ، ويجوز أن يكون النصب على المفعولية ، وقد أجاز سيبويه : حذرت زيدا ، وأنشد :
حذر أمورا لا تضير وآمن |
|
ما ليس منجيه من الأقدار |
ومنع من النصب على المفعولية المبرّد. ومعنى : (عَلَيْهِمْ) أي : على المؤمنين في شأن المنافقين ، على أن الضمير للمؤمنين ، والأولى أن يكون الضمير للمنافقين ، أي : في شأنهم (تُنَبِّئُهُمْ) أي : المنافقين (بِما فِي قُلُوبِهِمْ) مما يسرّونه فضلا عما يظهرونه ، وهم وإن كانوا عالمين بما في قلوبهم ؛ فالمراد من إنباء السورة لهم : اطلاعهم على أن المؤمنين قد علموا بما في قلوبهم ، ثم أمر الله رسوله بأن يجيب عليهم ، فقال : (قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ) هو أمر تهديد ، أي : افعلوا الاستهزاء إن الله مخرج ما تحذرون من ظهوره حتى يطلع عليه المؤمنون ، إما بإنزال سورة ؛ أو بإخبار رسوله بذلك ، أو نحو ذلك. قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) أي : ولئن سألتهم عما قالوه من الطعن في الدين ، وثلب المؤمنين بعد أن يبلغ إليك ذلك ، ويطلعك الله عليه ليقولنّ : إنما كنا نخوض ونلعب ، ولم نكن في شيء من أمرك ولا أمر المؤمنين ، ثم أمره الله أن يجيب عنهم فقال : (قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) والاستفهام للتقريع والتوبيخ ، وأثبت وقوع ذلك منهم ولم يعبأ بإنكارهم ، لأنهم كانوا كاذبين في الإنكار ، بل جعلهم كالمعترفين بوقوع ذلك منهم حيث جعل المستهزأ به ، والباء لحرف النفي ، فإن ذلك إنما يكون بعد وقوع الاستهزاء وثبوته ، ثم قال : (لا تَعْتَذِرُوا) نهيا لهم عن الاشتغال بالاعتذارات الباطلة ، فإن ذلك غير مقبول منهم. وقد نقل الواحدي عن أئمة اللغة أن معنى الاعتذار : محو أثر الذنب وقطعه ، من قولهم : اعتذر المنزل ، إذا درس ، واعتذرت المياه ، إذا انقطعت (قَدْ كَفَرْتُمْ) أي : أظهرتم الكفر بما وقع منكم من الاستهزاء المذكور (بَعْدَ إِيمانِكُمْ) أي : بعد إظهاركم الإيمان مع كونكم تبطنون الكفر (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ) وهم : من أخلص الإيمان وترك النفاق وتاب عنه. قال الزجاج : الطائفة في اللغة الجماعة. قال ابن الأنباري : ويطلق لفظ الجمع على الواحد عند العرب (نُعَذِّبْ طائِفَةً) سبب (بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) مصرّين على النفاق لم يتوبوا منه ، قرئ نعذب بالنون ، وبالتاء الفوقية على البناء للمفعول وبالتحتية على البناء للفاعل ، وهو الله سبحانه.
وقد أخرج ابن إسحاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان نبتل بن الحارث يأتي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيجلس إليه فيسمع منه ، ثم ينقل حديثه إلى المنافقين ، وهو الذي قال لهم : إنما محمد أذن. من حدثه بشيء صدقه ، فأنزل الله فيه : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : اجتمع ناس من المنافقين فيهم خلاس بن سويد بن صامت ، ومخشي بن حمير ووديعة بن ثابت ، فأرادوا أن يقعوا في النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فنهى بعضهم بعضا ، وقالوا : إنا نخاف أن يبلغ محمدا فيقع بكم ، فقال بعضهم : إنما محمد أذن ؛ نحلف له فيصدّقنا ، فنزل : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَ) الآية. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (هُوَ أُذُنٌ)