لغنيّ». وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «لا تحلّ الصدقة لغنيّ ولا لذي مرّة سويّ». وأخرج أحمد عن رجل من بني هلال قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذكر مثله. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال : أخبرني رجلان أنهما أتيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حجّة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها ، فرفع فينا البصر وخفضه فرآنا جلدين ، فقال : «إن شئتما أعطيتكما ، ولا حظّ فيها لغنيّ ولا لقويّ مكتسب».
(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦١) يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣) يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (٦٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٦٦))
قوله : (وَمِنْهُمُ) هذا نوع آخر مما حكاه الله من فضائح المنافقين وقبائحهم ، وذلك أنهم كانوا يقولون للنبيّ صلىاللهعليهوسلم على وجه الطعن والذم : (هُوَ أُذُنٌ). قال الجوهري : يقال : رجل أذن : إذا كان يسمع مقال كل أحد ، يستوي فيه الواحد والجمع ومرادهم ، أقمأهم الله ، أنهم إذا آذوا النبيّ وبسطوا فيه ألسنتهم ، وبلغه ذلك اعتذروا له ، وقبل ذلك منهم ، لأنه يسمع كل ما يقال له فيصدّقه ، وإنما أطلقت العرب على من يسمع ما يقال له فيصدّقه أنه أذن ، مبالغة ، لأنهم سموه بالجارحة التي هي آلة السماع ، حتى كأن جملته أذن سامعة ، ونظيره قولهم للربيئة : عين ، وإيذاؤهم له هو قوله : (هُوَ أُذُنٌ) لأنهم نسبوه إلى أنه يصدّق كل ما يقال له ، ولا يفرق بين الصحيح والباطل ، اغترارا منهم بحلمه عنهم ، وصفحه عن جناياتهم كرما وحلما وتغاضيا ، ثم أجاب الله عن قولهم هذا ، فقال : (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) بالإضافة على قراءة الجمهور. وقرأ الحسن بالتنوين ، وكذا قرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه ، كأنه قيل : نعم هو أذن ، ولكن نعم الأذن هو ، لكونه : أذن خير لكم ، وليس بأذن في غير ذلك ، كقولهم : رجل صدق ، يريدون الجودة والصلاح. والمعنى : أنه يسمع الخير ولا يسمع الشرّ. وقرئ (أُذُنٌ) بسكون الذال وضمها ، ثم فسر كونه أذن خير بقوله : (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي : يصدّق بالله ، ويصدّق المؤمنين لما علم فيهم من خلوص الإيمان ، فتكون اللام في (لِلْمُؤْمِنِينَ) للتقوية ، كما قال الكوفيون ، أو متعلقة بمصدر محذوف ، كما قال المبرد. وقرأ الجمهور (وَرَحْمَةٌ) بالرفع عطف على أذن. وقرأ حمزة بالخفض عطفا على خير. والمعنى على القراءة الأولى : هو أنه أذن خير ، وأنه هو رحمة للمؤمنين ، وعلى القراءة الثانية : أنه أذن خير ، وأذن رحمة. قال النحاس : وهذا عند أهل العربية بعيد ، يعني قراءة الجر لأنه قد تباعد بين الاسمين ، وهذا يقبح في المخفوض. والمعنى : أن