بأمر منهما ، وسمى الأمر منهما : إكراها لأنهم منافقون لا يأتمرون بالأمر ، فكانوا بأمرهم الذي لا يأتمرون به كالمكرهين على الإنفاق ، أو طائعين من غير إكراه من رؤسائكم أو مكرهين منهم ، وجملة (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ) تعليل لعدم قبول إنفاقهم ، والفسق : التمرّد والعتوّ ، وقد سبق بيانه لغة وشرعا ؛ ثم بين سبحانه السبب المانع من قبول نفقاتهم فقال : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ) أي : كفرهم بالله وبرسوله جعل المانع من القبول ثلاثة أمور : الأوّل : الكفر ؛ الثاني : أنهم لا يصلون في حال من الأحوال إلا في حال الكسل والتثاقل ، لأنهم لا يرجون ثوابا ولا يخافون عقابا ؛ فصلاتهم ليست إلا رياء للناس ، وتظهرا بالإسلام الذي يبطنون خلافه ؛ والثالث : أنهم لا ينفقون أموالهم إلا وهم كارهون ، ولا ينفقونها طوعا لأنهم يعدّون إنفاقها وضعا لها في مضيعة ؛ لعدم إيمانهم بما وعد الله ورسوله. قوله : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) الإعجاب بالشيء : أن يسرّ به سرورا راض به متعجب من حسنه ، قيل : مع نوع من الافتخار واعتقاد أنه ليس لغيره ما يساويه ؛ والمعنى : لا تستحسن ما معهم من الأموال والأولاد (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بما يحصل معهم من الغمّ والحزن عند أن يغنمها المسلمون ويأخذوها قسرا من أيديهم ؛ مع كونها زينة حياتهم وقرّة أعينهم ، وكذا في الآخرة يعذبهم بعذاب النار بسبب عدم الشكر لربهم الذي أعطاهم ذلك ، وترك ما يجب عليهم من الزكاة فيها ، والتّصدّق بما يحقّ التّصدق به ، وقيل في الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا ، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة لأنهم منافقون ، فهم ينفقون كارهين فيعذبون بما ينفقون. قوله : (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) الزّهوق : الخروج بصعوبة ، والمعنى : أن الله يريد أن تزهق أنفسهم ، وتخرج أرواحهم حال كفرهم ، لعدم قبولهم لما جاءت به الأنبياء ، وأرسلت به الرسل ، وتصميمهم على الكفر وتماديهم في الضلالة ، ثم ذكر الله سبحانه نوعا آخر من قبائح المنافقين فقال : (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) أي : من جملتكم في دين الإسلام والانقياد لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ولكتاب الله سبحانه (وَما هُمْ مِنْكُمْ) في ذلك إلا بمجرّد ظواهرهم دون بواطنهم (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) أي : يخافون أن ينزل بهم ما نزل بالمشركين من القتل والسبي ، فيظهرون لكم الإسلام تقية منهم ، لا عن حقيقة (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً) يلتجئون إليه ، ويحفظون نفوسهم فيه منكم من حصن أو غيره (أَوْ مَغاراتٍ) : جمع مغارة ، من غار يغير. قال الأخفش : ويجوز أن يكون من : أغار يغير ، والمغارات : الغيران والسراديب ، وهي المواضع التي يستتر فيها ، ومنه غار الماء وغارت العين ؛ والمعنى : لو وجدوا أمكنة يغيبون فيها أشخاصهم هربا منكم (أَوْ مُدَّخَلاً) من الدخول ، أي : مكانا يدخلون فيه من الأمكنة التي ليست مغارات. قال النحاس : الأصل فيه متدخل قلبت التاء دالا ، وقيل : أصله مدتخل. وقرأ أبيّ متدخلا وروي عنه أنه مندخلا بالنون. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن محيصن : أو مدخلا بفتح الميم وإسكان الدال. قال الزجاج : ويقرأ أو مدخلا بضم الميم وإسكان الدال. وقرأ الباقون بتشديد الدال مع ضم الميم (لَوَلَّوْا إِلَيْهِ) أي : لالتجئوا إليه وأدخلوا أنفسهم فيه (وَ) الحال أن (هُمْ يَجْمَحُونَ) أي : يسرعون إسراعا لا يردّهم شيء ، من جمع الفرس : إذا لم