حلّ بقلوبهم يتحيرون ، والتردّد : التحير. والمعنى : فهؤلاء الذين يستأذنوك ليسوا بمؤمنين بل مرتابين حائرين لا يهتدون إلى طريق الصواب ، ولا يعرفون الحق. قوله (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) أي : لو كانوا صادقين فيما يدّعونه ـ ويخبرونك به ـ من أنهم يريدون الجهاد معك ، ولكن لم يكن معهم من العدّة للجهاد ما يحتاج إليه ، لما تركوا إعداد العدّة ، وتحصيلها قبل وقت الجهاد كما يستعدّ لذلك المؤمنون ، فمعنى هذا الكلام : أنهم لم يريدوا الخروج أصلا ، ولا استعدّوا للغزو. والعدّة : ما يحتاج إليه المجاهد من الزاد والراحلة ، والسلاح. قوله : (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) أي : ولكن كره الله خروجهم ، فتثبطوا عن الخروج ، فيكون المعنى : ما خرجوا ولكن تثبطوا ، لأن كراهة الله انبعاثهم تستلزم تثبطهم عن الخروج ، والانبعاث : الخروج ، أي : حبسهم الله عن الخروج معك وخذلهم ، لأنهم قالوا : إن لم يؤذن لنا في الجلوس أفسدنا وحرّضنا على المؤمنين ؛ وقيل المعنى : لو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّة ، ولكن ما أرادوه لكراهة الله له ؛ قوله : (وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) قيل : القائل لهم هو الشيطان بما يلقيه إليه من الوسوسة ، وقيل : قاله بعضهم لبعض ، وقيل : قاله رسول الله صلىاللهعليهوسلم غضبا عليهم ، وقيل : هو عبارة عن الخذلان ، أي : أوقع الله في قلوبهم القعود خذلانا لهم. ومعنى (مَعَ الْقاعِدِينَ) أي : مع أولي الضرر من العميان والمرضى ، والنساء ، والصبيان ، وفيه من الذمّ ، والإزراء عليهم ، والتنقص بهم ما لا يخفى. قوله : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) هذه تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين عن تخلّف المنافقين ، والخبال : الفساد والنميمة ، وإيقاع الاختلاف ، والأراجيف. قيل : هذا الاستثناء منقطع ؛ أي ما زادوكم قوّة ، ولكن طلبوا الخبال ؛ وقيل المعنى : لا يزيدونكم فيما تردّدون فيه من الرأي إلا خبالا ، فيكون متصلا ؛ وقيل : هو استثناء من أعمّ العام ، أي : ما زادوكم شيئا إلا خبالا ، فيكون الاستثناء من قسم المتصل ، لأن الخبال من جملة ما يصدق عليه الشيء. قوله : (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) الإيضاع : سرعة السير ، ومنه قول ورقة بن نوفل :
يا ليتني فيها جذع |
|
أخبّ فيها وأضع |
يقال أوضع البعير : إذا أسرع السير ، وقيل الإيضاع : سير الخبب ، والخلل : الفرجة بين الشيئين ، والجمع الخلال ؛ أي : الفرج التي تكون بين الصفوف. والمعنى : لسعوا بينكم بالإفساد بما يختلقونه من الأكاذيب المشتملة على الإرجاف ، والنمائم الموجبة لفساد ذات البين. قوله : (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) يقال بغيته كذا : طلبته له ، وأبغيته كذا : أعنته على طلبه. والمعنى : يطلبون لكم الفتنة في ذات بينكم بما يصنعونه من التحريش والإفساد ؛ وقيل : الفتنة هنا : الشرك. وجملة (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) في محل نصب على الحال ، أي : والحال أنّ فيكم من يستمع ما يقولونه من الكذب فينقله إليكم ، فيتأثر من ذلك الاختلاف بينكم ، والفساد لإخوانكم (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) وبما يحدث منهم لو خرجوا معكم ، فلذلك اقتضت حكمته البالغة أن لا يخرجوا معكم ، وكره انبعاثهم معكم ؛ ولا ينافي حالهم هذا لو خرجوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما تقدّم من عتابه على الإذن لهم في التخلف ، لأنه سارع إلى الإذن لهم ، ولم يكن قد علم من أحوالهم لو خرجوا أنهم