والتمرة بالتمرة ، والماء بالماء ؛ فيا عباد الله! ويا أتباع محمد بن عبد الله ما بالكم تركتم الكتاب والسنة جانبا ، وعمدتم إلى رجال هم مثلكم في تعبد الله لهم بهما ، وطلبه منهم للعمل بما دلا عليه وأفاده ، فعلتم بما جاءوا به من الآراء التي لم تعمد بعماد الحق ، ولم تعضد بعضد الدين ونصوص الكتاب والسنة ، تنادي بأبلغ نداء وتصوت بأعلى صوت بما يخالف ذلك ويباينه ، فأعرتموهما آذانا صما ، وقلوبا غلفا ، وأفهاما مريضة ، وعقولا مهيضة ، وأذهانا كليلة ، وخواطر عليلة ، وأنشدتم بلسان الحال :
وما أنا إلا من غزيّة إن غوت |
|
غويت وإن ترشد غزيّة أرشد |
فدعوا أرشدكم الله وإياي كتبا كتبها لكم الأموات من أسلافكم ، واستبدلوا بها كتاب الله خالقهم وخالقكم ، ومتعبدهم ومتعبدكم ، ومعبودهم ومعبودكم ، واستبدلوا بأقوال من تدعونهم بأئمتكم وما جاءوكم به من الرأي بأقوال إمامكم وإمامهم وقدوتكم وقدوتهم ، وهو الإمام الأوّل محمد بن عبد الله صلىاللهعليهوسلم.
دعوا كلّ قول عند قول محمّد |
|
فما آمن في دينه كمخاطر |
اللهم هادي الضال ، مرشد التائه ، موضح السبيل ، اهدنا إلى الحق ، وأرشدنا إلى الصواب ، وأوضح لنا منهج الهداية. قوله : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً) هذه الجملة في محل نصب على الحال ، أي : اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ، والحال أنهم ما أمروا إلا بعبادة الله وحده ، أو ما أمر الذين اتخذوهم أربابا من الأحبار والرهبان إلا بذلك ، فكيف يصلحون لما أهلوهم له من اتخاذهم أربابا؟ قوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) صفة ثانية لقوله إلها (سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي : تنزيها له عن الإشراك في طاعته وعبادته. قوله : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) هذا كلام يتضمّن ذكر نوع آخر من أنواع ضلالهم وبعدهم عن الحق ، وهو ما راموه من إبطال الحق بأقاويلهم الباطلة التي هي مجرّد كلمات ساذجة ومجادلات زائفة ، وهذا تمثيل لحالهم في محاولة إبطال دين الحق ونبوّة نبيّ الصدق ، بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم قد أنارت به الدنيا ، وانقشعت به الظلمة ؛ ليطفئه ويذهب أضواءه (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) أي : دينه القويم ، وقد قيل : كيف دخلت إلا الاستثنائية على يأبى؟ ولا يجوز كرهت أو بغضت إلا زيدا. قال الفرّاء : إنما دخلت لأن في الكلام طرفا من الجحد. وقال الزّجّاج : إن العرب تحذف مع «أبى» ، والتقدير : ويأبى الله كلّ شيء إلا أن يتم نوره ، وقال علي بن سليمان : إنما جاز هذا في «أبى» ؛ لأنها منع أو امتناع فضارعت النفي. قال النحاس : وهذا أحسن كما قال الشاعر :
وهل لي أمّ غيرها إن تركتها |
|
أبى الله إلا أن أكون لها ابنما |
وقال صاحب الكشاف : إن «أبى» قد أجري مجرى لم يرد ؛ أي : ولا يريد إلا أن يتمّ نوره. قوله : (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) معطوف على جملة قبله مقدرة ، أي : أبى الله إلا أن يتمّ نوره ولو لم يكره الكافرون ذلك ولو كرهوا ، ثم أكد هذا بقوله : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى) أي : بما يهدي به الناس من البراهين والمعجزات والأحكام التي شرعها الله لعباده (وَدِينِ الْحَقِ) وهو الإسلام (لِيُظْهِرَهُ) أي : ليظهر