الله فإخوانكم في الدّين. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : حرّمت هذه الآية قتال أو دماء أهل الصّلاة.
(وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢) أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٦))
قوله : (وَإِنْ نَكَثُوا) معطوف على (فَإِنْ تابُوا) والنكث : النقض ، وأصله : نقض الخيط بعد إبرامه ، ثم استعمل في كلّ نقض ، ومنه نقض الأيمان والعهود على طريق الاستعارة. ومعنى (مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ) أي : من بعد أن عاهدوكم. والمعنى : أن الكفار إن نكثوا العهود التي عاهدوا بها المسلمين ، ووثقوا لهم بها ، وضمّوا إلى ذلك الطعن في دين الإسلام ، والقدح فيه ، فقد وجب على المسلمين قتالهم. وأئمة الكفر : جمع إمام ، والمراد صناديد المشركين ، وأهل الرئاسة فيهم على العموم ، وقرأ حمزة أإمة ، وأكثر النحويين يذهب إلى أن هذا لحن ؛ لأن فيه الجمع بين همزتين في كلمة واحدة ، وقرأ الجمهور بجعل الهمزة الثانية بين بين ، أي : بين مخرج الهمزة والياء ، وقرئ بإخلاص الياء وهو لحن ؛ كما قال الزمخشري ، قوله : (إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) هذه الجملة تعليل لما قبلها ، والأيمان : جمع يمين في قراءة الجمهور. وقرأ ابن عامر «لا إيمان لهم» بكسر الهمزة ، والمعنى على قراءة الجمهور : أن أيمان الكافرين ، وإن كانت في الصورة يمينا ، فهي في الحقيقة ليست بيمين ، وعلى القراءة الثانية : أن هؤلاء الناكثين للأيمان الطاعنين في الدين ليسوا من أهل الإيمان بالله ، حتى يستحقوا العصمة لدمائهم وأموالهم ، فقتالهم واجب على المسلمين. قوله : (لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) أي : عن كفرهم ونكثهم وطعنهم في دين الإسلام ، والمعنى : أن قتالهم يكون إلى الغاية هي : الانتهاء عن ذلك.
وقد استدلّ بهذه الآية على أن الذميّ إذا طعن في الدّين ، لا يقتل حتى ينكث العهد ، كما قال أبو حنيفة ، لأن الله إنما أمر بقتلهم بشرطين : أحدهما : نقض العهد ، والثاني : الطعن في الدين ، وذهب مالك والشافعي وغيرهما : إلى أنه إذا طعن في الدين قتل ، لأنه ينتقض عهده بذلك ، قالوا : وكذلك إذا حصل من الذميّ مجرد النكث فقط من دون طعن في الدين فإنه يقتل. قوله : (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) الهمزة الداخلة على حرف النفي : للاستفهام التوبيخي مع ما يستفاد منها من التحضيض على القتال ، والمبالغة في تحققه ، والمعنى : أن من كان حاله كحال هؤلاء من نقض العهد ، وإخراج الرسول من مكة ، والبداءة بالقتال ، فهو حقيق بأن لا يترك قتاله ، وأن يوبخ من فرط في ذلك ، ثم زاد في التوبيخ فقال : (أَتَخْشَوْنَهُمْ) فإن هذا