قال أبو عبيدة : الإلّ العهد ، والذمة والنديم. وقال الأزهري : هو اسم لله بالعبرانية ، وأصله من الأليل ، وهو البريق ، يقال : ألّ لونه يؤلّ ألّا ؛ أي صفا ولمع ، والذمة : العهد ، وجمعها ذمم ، فمن فسر الإلّ بالعهد كان التكرير للتأكيد مع اختلاف اللفظين. وقال أبو عبيدة : الذمة : التذمم. وقال أبو عبيد : الذمّة : الأمان كما في قوله صلىاللهعليهوسلم : «ويسعى بذمّتهم أدناهم». وروي عن أبي عبيدة أيضا أن الذمة ما يتذمّم به ، أي : ما يجتنب فيه الذمّ. قوله : (يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ) أي : يقولون بألسنتهم ما فيه مجاملة ومحاسنة لكم طلبا لمرضاتكم وتطييب قلوبكم ، وقلوبهم تأبى ذلك وتخالفه وتودّ ما فيه مساءتكم ومضرتكم ، كما يفعله أهل النفاق وذوو الوجهين ؛ ثم حكم عليهم بالفسق ، وهو التمرد والتجرّي ، والخروج عن الحق لنقضهم العهود ، وعدم مراعاتهم للعقود ، ثم وصفهم بقوله : (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) أي : استبدلوا بآيات القرآن التي من جملتها ما فيه الأمر بالوفاء بالعهود ثمنا قليلا حقيرا ؛ وهو ما آثروه من حطام الدنيا (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) أي : فعدلوا وأعرضوا عن سبيل الحق ، أو صرفوا غيرهم عنه. قوله : (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) قال النحّاس : ليس هذا تكريرا ، ولكن الأوّل : لجميع المشركين ، والثاني : لليهود خاصة ، والدليل على هذا (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) يعني : اليهود ، وقيل : هذا فيه مراعاة لحقوق المؤمنين على الإطلاق ، وفي الأوّل المراعاة لحقوق طائفة من المؤمنين خاصة (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) أي : المجاوزون للحلال إلى الحرام بنقض العهد ، أو البالغون في الشرّ والتمرد إلى الغاية القصوى (فَإِنْ تابُوا) عن الشرك والتزموا أحكام الإسلام (فَإِخْوانُكُمْ) أي : فهم إخوانكم (فِي الدِّينِ) أي : في دين الإسلام (وَنُفَصِّلُ الْآياتِ) أي : نبيّنها ، ونوضحها (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) بما فيها من الأحكام ويفهمونه ، وخص أهل العلم لأنهم المنتفعون بها ، والمراد بالآيات : ما مرّ من الآيات المتعلقة بأحوال المشركين على اختلاف أنواعهم.
وقد أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) قال : قريش. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل قال : كان النبي صلىاللهعليهوسلم عاهد أناسا من بني ضمرة بني بكر وكنانة خاصة ، عاهدهم عند المسجد الحرام وجعل مدتهم أربعة أشهر. وهم الذين ذكر الله (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) يقول : ما وفوا لكم بالعهد ففوا لهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : هم بنو جذيمة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) قال : هو يوم الحديبية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (إِلًّا وَلا ذِمَّةً) قال : الإلّ : القرابة ، والذمة : العهد. وأخرج الفريابي وأبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال : الإلّ : الله عزوجل. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة مثله. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) قال : أبو سفيان بن حرب أطعم حلفاءه وترك حلفاء محمد صلىاللهعليهوسلم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (فَإِنْ تابُوا) الآية يقول : إن تركوا اللات والعزّى وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول