وأبو الشيخ عنه في الآية قال : هو رجل أعطي ثلاث دعوات يستجاب له فيهن ، وكانت له امرأة له منها ولد ، فقالت : أجعل لي منها واحدة ، قال : فلك واحدة فما الذي تريدين؟ قالت : ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل فدعا الله فجعلها أجمل امرأة في بني إسرائيل ؛ فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه وأرادت شيئا آخر ، فدعا الله أن يجعلها كلبة فصارت كلبة ، فذهبت دعوتان ، فجاء بنوها فقالوا : ليس بنا على هذا قرار قد صارت أمنا كلبة يعيرنا الناس بها ، فادع الله أن يردّها إلى الحال التي كانت عليه فدعا الله فعادت كما كانت فذهبت الدعوات الثلاث وسميت البسوس. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو في الآية قال : هو أمية بن أبي الصّلت الثّقفي ، وفي لفظ : نزلت في صاحبكم أمية بن أبي الصّلت. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عنه نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن الشعبي في هذه الآية قال : قال ابن عباس : هو رجل من بني إسرائيل يقال له بلعام بن باعوراء ، وكانت الأنصار تقول : هو ابن الراهب الذي بني له مسجد الشقاق ، وكانت ثقيف تقول : هو أمية بن أبي الصلت. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : هو صيفي بن الراهب. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله (فَانْسَلَخَ مِنْها) قال : نزع منه العلم وفي قوله (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) قال : رفعه الله بعلمه. وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجة وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم في خطبته يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ، ثم يقول «من يهد الله فلا مضلّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، أصدق الحديث كتاب الله. وأحسن الهدي هدي محمد صلىاللهعليهوسلم ، وشرّ الأمور محدثاتها ، وكلّ محدثة بدعة ، وكلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة في النار» ثم يقول : «بعثت أنا والسّاعة كهاتين».
(وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٧٩))
(وَلَقَدْ ذَرَأْنا) أي : خلقنا ، وقد تقدّم بيان أصل معناه مستوفى ، وهذه الجملة مقرّرة لمضمون ما قبلها (لِجَهَنَّمَ) أي : للتعذيب بها (كَثِيراً) أي : خلقا كثيرا (مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أي : من طائفتي الجنّ والإنس جعلهم سبحانه للنار بعدله ، وبعمل أهلها يعملون. وقد علم ما هم عاملون قبل كونهم كما ثبت في الأحاديث الصحيحة ، ثم وصف هؤلاء فقال (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) كما يفقه غيرهم بعقولهم ، وجملة (لا يَفْقَهُونَ بِها) في محل رفع على أنها صفة لقلوب ، وجملة (لَهُمْ قُلُوبٌ) في محلّ نصب صفة لكثيرا ، جعل سبحانه قلوبهم لما كانت غير فاقهة لما فيه نفعهم وإرشادهم غير فاقهة مطلقا وإن كانت تفقه في غير ما فيه النفع والرشاد فهو كالعدم ، وهكذا معنى (وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) فإن الذي انتفى من الأعين هو إبصار ما فيه الهداية بالتفكر والاعتبار وإن كانت مبصرة في غير ذلك ،