صامِتُونَ) (١) واللهث : إخراج اللسان لتعب أو عطش أو غير ذلك. قال الجوهري : لهث الكلب بالفتح يلهث لهثا ولهاثا بالضم إذا أخرج لسانه من التعب أو العطش ، وكذلك الرجل إذا أعيا. قيل معنى الآية : أنك إذا حملت على الكلب نبح وولّى هاربا ، وإن تركته شدّ عليك ونبح ، فيتعب نفسه مقبلا عليك ومدبرا عنك ، فيعتريه عند ذلك ما يعتريه عند العطش من إخراج اللسان ، والإشارة بقوله ذلك إلى ما تقدّم من التمثيل بتلك الحالة الخسيسة. وهو مبتدأ وخبره (مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي ذلك المثل الخسيس مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا من اليهود بعد أن علموا بها وعرفوها ، فحرفوا وبدّلوا وكتموا صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكذبوا بها (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ) أي : فاقصص عليهم هذا القصص الذي هو صفة الرجل المنسلخ عن الآيات فإن مثله المذكور كمثل هؤلاء القوم المكذبين من اليهود الذين تقص عليهم (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) في ذلك ويعملون فيه أفهامهم ، فينزجرون عن الضلال ، ويقبلون على الصواب. قوله (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) هذه الجملة متضمنة لبيان حال هؤلاء القوم البالغة في القبح إلى الغاية ، يقال : ساء الشيء : قبح ، فهو لازم ، وساءه يسوؤه مساءة : فهو متعد وهو من أفعال الذم : كبئس ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، ومثلا تمييز مفسر له ، والمخصوص بالذم هو : الذين كذبوا بآياتنا ، ولا بدّ من تقدير مضاف محذوف لأجل المطابقة أي : ساء مثلا مثل القوم الذين كذبوا. وقال الأخفش : جعل المثل القوم مجازا ، والقوم مرفوع بالابتداء ، أو على إضمار مبتدأ ، التقدير : ساء المثل مثلا هو مثل القوم ، كذا قال. وقدره أبو علي الفارسي : ساء مثلا مثل القوم ، كما قدّمنا. وقرأ الجحدري والأعمش ساء مثل القوم. قوله (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) أي : ما ظلموا بالتكذيب إلا أنفسهم ، لا يتعداها ظلمهم إلى غيرها ، ولا يتجاوزها ، والجملة معطوفة على التي قبلها ، على معنى أنهم جمعوا بين التكذيب بآيات الله وظلم أنفسهم (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) لما أمر به وشرعه لعباده (وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) الكاملون في الخسران ، من هداه فلا مضلّ له ، ومن أضلّه فلا هادي له ؛ ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
وقد أخرج الفريابي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا) قال : هو رجل من بني إسرائيل يقال له بلعم بن آبز. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : هو بلعم بن باعوراء ، وفي لفظ : بلعام بن باعر الذي أوتي الاسم كان في بني إسرائيل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا) قال : هو رجل من مدينة الجبارين يقال له بلعم ، تعلّم اسم الله الأكبر ، فلما نزل بهم موسى أتاه بنو عمه وقومه فقالوا : إنّ موسى رجل حديد ومعه جنود كثيرة ، وإنه إن يظهر علينا يهلكنا ، فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه ، قال : إنّي إن دعوت الله أن يردّ موسى ومن معه مضت دنياي وآخرتي ، فلم يزالوا به حتى دعا الله فسلخ ما كان فيه. وفي قوله (إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) قال : إن حمل الحكمة لم يحملها ، وإن ترك لم يهتد لخير كالكلب إن كان رابضا لهث وإن يطرد لهث. وأخرج ابن أبي حاتم
__________________
(١). الأعراف : ١٩٣.