وهؤلاء أئمة ثقات. وأخرج عبد بن حميد ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، والطبراني ، وأبو الشيخ في العظمة ، وابن مردويه ، عن أبي أمامة : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لمّا خلق الله الخلق وقضى القضية وأخذ ميثاق النبيين وعرشه على الماء ، فأخذ أهل اليمين بيمينه وأخذ أهل الشمال بيده الأخرى وكلتا يدي الرحمن يمين ، فقال : يا أصحاب اليمين ، فاستجابوا له فقالوا : لبيك ربنا وسعديك ، قال : ألست بربكم؟ قالوا : بلى» الحديث ، والأحاديث في هذا الباب كثيرة بعضها مقيد بتفسير هذه الآية ، وبعضها مطلق يشتمل على ذكر إخراج ذرية آدم من ظهره ، وأخذ العهد عليهم كما في حديث أنس مرفوعا في الصحيحين وغيرهما. وأما المروي عن الصحابة في تفسير هذه الآية بإخراج ذرية آدم من صلبه في عالم الذرّ وأخذ العهد عليهم وإشهادهم على أنفسهم فهي كثيرة ، منها : عن ابن عباس عند عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) الآية قال : [خلق الله آدم وأخذ ميثاقه أنه ربه وكتب أجله ورزقه ومصيبته] (١) ، ثم أخرج ولده من ظهره كهيئة الذرّ ، فأخذ مواثيقهم أنه ربهم وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم (٢). وأخرج نحوه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم وأخرج نحوه عنه أيضا ابن جرير وابن المنذر. وأخرج نحوه عنه عبد الرزاق وابن المنذر. وأخرج نحوه عنه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مندة ، وهذا المعنى مروي عنه من طرق كثيرة غير هذه موقوفة عليه. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن عمر في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) الآية قال : أخذهم كما يأخذ المشط من الرأس. وأخرج ابن عبد البرّ في التمهيد عن ابن مسعود وناس من الصحابة في تفسير الآية نحوه. وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن حنبل في رواية المسند وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مندة وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات والضياء في المختارة وابن عساكر في تاريخه عن أبيّ بن كعب في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) الآية قال : جمعهم جميعا فجعلهم أرواحا في صورهم ، ثم استنطقهم فتكلموا ، ثم أخذ عليهم العهد والميثاق ، ثم أشهدهم على أنفسهم. وقد روي عن جماعة ممن بعد الصحابة تفسير هذه الآية بإخراج ذرية آدم من ظهره ، وفيما قاله رسول الله صلىاللهعليهوسلم في تفسيرها مما قدمنا ذكره ما يغني عن التطويل.
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦) ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (١٧٧) مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٧٨))
قوله (وَاتْلُ) معطوف على الأفعال المقدّرة في القصص السابقة ، وإيراد هذه القصة منه سبحانه وتذكير أهل الكتاب بها لأنها كانت مذكورة عندهم في التوراة. وقد اختلف في هذا الذي أوتي الآيات (فَانْسَلَخَ
__________________
(١). ما بين حاصرتين من الدر المنثور.
(٢). في الأصل : «مصيباتهم» والتصحيح من الدر المنثور.