كراهة أن يقولوا أو لئلا يقولوا ، أي : فعلنا ذلك الأخذ والإشهاد كراهة أن يقولوا (يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) أي : عن كون الله ربنا وحده لا شريك له. قوله : (أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ) معطوف على (تَقُولُوا) الأوّل ، أي : فعلنا ذلك كراهة أن تعتذروا بالغفلة ، أو تنسبوا الشرك إلى آبائكم دونكم ، و (أَوْ) لمنع الخلوّ دون الجمع ، فقد يعتذرون بمجموع الأمرين. (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل زماننا (وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) لا نهتدي إلى الحق ولا نعرف الصواب (أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) من آبائنا ولا ذنب لنا لجهلنا وعجزنا عن النظر واقتفائنا آثار سلفنا ، بين الله سبحانه في هذه الحكمة ؛ التي لأجلها أخرجهم من ظهر آدم وأشهدهم على أنفسهم ، وأنه فعل ذلك بهم لئلا يقولوا هذه المقالة يوم القيامة ، ويعتلوا بهذه العلة الباطلة ويعتذروا بهذه المعذرة الساقطة (وَكَذلِكَ) أي : ومثل ذلك التفصيل (نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) إلى الحق ويتركون ما هم عليه من الباطل.
وقد أخرج مالك في الموطأ وأحمد في المسند وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه ، وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه ، وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات ، والضياء في المختارة : أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ) الآية فقال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يسأل عنها فقال : «إنّ الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون ، فقال رجل : يا رسول الله! ففيم العمل؟ فقال : إنّ الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة ، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار». وأخرج أحمد والنسائي وابن جرير ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان (١) يوم عرفة ، فأخرج من صلبه كل ذرية ذراها فنشرها بين يديه ، ثم كلّمهم فقال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا بَلى شَهِدْنا) إلى قوله : (الْمُبْطِلُونَ)». وإسناده لا مطعن فيه. وقد أخرجه ابن أبي حاتم موقوفا على ابن عباس. وأخرج ابن جرير وابن مندة في كتاب الردّ على الجهمية عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم ، قال : أخذهم من ظهره كما يؤخذ المشط من الرأس ، فقال لهم : ألست بربكم؟ قالوا : بلى ، قالت الملائكة : شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين» وفي إسناده أحمد بن أبي ظبية أبو محمد الجرجاني قاضي قومس كان أحد الزهاد ، وأخرج له النسائي في سننه. وقال أبو حاتم الرازي : يكتب حديثه. وقال ابن عديّ : حدّث بأحاديث كثيرة غرائب. وقد روى هذا الحديث عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد عن عبد الله بن عمر ،
__________________
(١). واد إلى جنب عرفة.