الناظرين لما جاءوا به ، وإن كان لا حقيقة له في الواقع. قوله : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ) أمره الله سبحانه عند أن جاء السحرة بما جاءوا به من السحر أن يلقي عصاه (فَإِذا هِيَ) أي : العصا (تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) قرأ حفص (تَلْقَفُ) بإسكان اللام وتخفيف القاف من لقف يلقف. وقرأ الباقون : بفتح اللام وتشديد القاف من تلقّف يتلقّف ، يقال : لقفت الشيء وتلقّفته ؛ إذا أخذته أو بلعته. قال أبو حاتم : وبلغني في بعض القراءات تلقّم بالميم والتشديد ، قال الشاعر :
أنت عصا موسى الّتي لم تزل |
|
تلقم ما يأفكه السّاحر |
و (ما) في (ما يَأْفِكُونَ) مصدرية أو موصولة ، أي : إفكهم أو ما يأفكونه ، سمّاه إفكا ، لأنه لا حقيقة له في الواقع بل هو كذب وزور وتمويه وشعوذة (فَوَقَعَ الْحَقُ) أي : ظهر وتبين لما جاء به موسى (وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من سحرهم ، أي : تبين بطلانه (فَغُلِبُوا) أي : السحرة (هُنالِكَ) أي : في الموقف الذي أظهروا فيه سحرهم (وَانْقَلَبُوا) من ذلك الموقف (صاغِرِينَ) أذلاء مقهورين (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) أي : خروا ساجدين كأنما ألقاهم ملق على هيئة السجود ، أو لم يتمالكوا مما رأوا فكأنهم ألقوا أنفسهم ، وجملة (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ ـ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) مستأنفة ، جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل : ما ذا قالوا عند سجودهم أو في سجودهم ، وإنما قالوا هذه المقالة وصرّحوا بأنهم آمنوا بربّ العالمين ، ثم لم يكتفوا بذلك حتى قالوا : ربّ موسى وهارون لئلا يتوهّم متوهّم من قوم فرعون المقرّين بإلهيته أن السّجود له.
وقد أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (ثُمَّ بَعَثْنا مُوسى) قال : إنما سمّي موسى ؛ لأنه ألقي بين ماء وشجر ، فالماء بالقبطية مو والشجر سى. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد : أن فرعون كان فارسيا من أهل إصطخر. وأخرج أيضا عن ابن لهيعة. أنه كان من أبناء مصر. وأخرج أيضا وأبو الشيخ عن محمد ابن المنكدر قال : عاش فرعون ثلاثمائة سنة. وأخرج ابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طلحة أن فرعون كان قبطيا ولد زنا طوله سبعة أشبار. وأخرج أيضا عن الحسن قال : كان علجا من همذان. وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم بن مقسم الهذلي قال : مكث فرعون أربعمائة سنة لم يصدع له رأس. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : (فَأَلْقى عَصاهُ) قال : ذكر لنا أن تلك العصا عصا آدم أعطاه إياها ملك حين توجه إلى مدين ، فكانت تضيء بالليل ويضرب بها الأرض بالنهار فتخرج له رزقه ويهشّ بها على غنمه (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) قال : حية تكاد تساوره. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لقد دخل موسى على فرعون وعليه «زرمانقة» من صوف ما تجاوز مرفقيه ، فاستأذن على فرعون فقال : أدخلوه ، فدخل فقال : إن إلهي أرسلني إليك ، فقال للقوم حوله : ما علمت لكم من إله غيري ، خذوه. قال : إني قد جئتك بآية ، قال : فائت بها إن كنت من الصادقين ، فألقى عصاه فصارت ثعبانا بين لحييه ما بين السّقف إلى الأرض ، وأدخل يده في جيبه فأخرجها مثل البرق تلتمع الأبصار ، فخرّوا على وجوههم ، وأخذ موسى