إليهم هي أرض مصر : وهذا من كلام الملأ ، وأما (فَما ذا تَأْمُرُونَ) فقيل : هو من كلام فرعون ، قال للملأ لما قالوا بما تقدّم ، أي : بأي شيء تأمرونني؟ وقيل : هو من كلام الملأ ؛ أي : قالوا لفرعون : فبأي شيء تأمرنا؟ وخاطبوه بما تخاطب به الجماعة تعظيما له كما يخاطب الرؤساء أتباعهم ، وما : في موضع نصب بالفعل الذي بعدها ، ويجوز أن تكون ذا بمعنى الذي كما ذكره النحاة في : ماذا صنعت ، وكون هذا من كلام فرعون هو الأولى بدليل ما بعده وهو (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) قال الملأ جوابا لكلام فرعون حيث استشارهم ، وطلب ما عندهم من الرأي : أرجه ، أي : أخّره وأخاه ، يقال : أرجأته وأرجيته : أخّرته. قرأ عاصم والكسائي وحمزة وأهل المدينة (أَرْجِهْ) بغير همز ، وقرأ الباقون بالهمز ، وقرأ أهل الكوفة إلا الكسائي (أَرْجِهْ) بسكون الهاء. قال الفرّاء : هي لغة للعرب يقفون على الهاء في الوصل ، وأنكر ذلك البصريون ؛ وقيل : معنى أرجه : احبسه ؛ وقيل : هو من رجا يرجو : أي أطمعه ودعه يرجوك ، حكاه النحاس عن محمد بن يزيد المبرد (وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) أي : أرسل جماعة حاشرين في المدائن التي فيها السحرة ، وحاشرين : مفعول أرسل ؛ وقيل : هو منصوب على الحال ، و (يَأْتُوكَ) جواب الأمر ، أي : يأتوك هؤلاء الذين أرسلتهم (بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) أي : بكل ماهر في السحر كثير العلم بصناعته. قرأ أهل الكوفة إلا عاصم : «سحار» وقرأ من عداهم : «ساحر». قوله : (وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ) في الكلام طيّ ، أي : فبعث في المدائن حاشرين ، وجاء السحرة فرعون. قوله : (قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً) أي : فلما جاءوا فرعون قالوا له إن لنا لأجرا ، والجملة استئنافية جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل : أيّ شيء قالوا له لما جاءوه؟ والأجر : الجائزة والجعل ، الزموا فرعون أن يجعل لهم جعلا إن غلبوا موسى بسحرهم. قرأ نافع وابن كثير : (إِنَّ لَنا) على الإخبار ، وقرأ الباقون : «أئن لنا» على الاستفهام ، استفهموا فرعون عن الجعل الذي سيجعله لهم على الغلبة ، ومعنى الاستفهام التقرير. وأما على القراءة الأولى فكأنهم قاطعون بالجعل وأنه لا بدّ لهم منه ، فأجابهم فرعون بقوله : (نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) أي : إن لكم لأجرا ، وإنكم مع هذا الأجر المطلوب منكم لمن المقرّبين لدينا. قوله : (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) هذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل : فما قالوا لموسى بعد أن قال لهم فرعون : نعم وإنكم لمن المقرّبين. والمعنى : أنهم خيروا موسى بين أن يبتدئ بإلقاء ما يلقيه عليهم أو يبتدئوه هم بذلك تأدّبا معه وثقة من أنفسهم بأنهم غالبون وإن تأخروا ، وأن في موضع نصب ، قاله الكسائي والفراء : أي : إما أن تفعل الإلقاء أو نفعله نحن. فأجابهم موسى بقوله : (أَلْقُوا) اختار أن يكونوا المتقدّمين عليه بإلقاء ما يلقونه غير مبال بهم ولا هائب لما جاءوا به. قال الفراء : في الكلام حذف. المعنى : قال لهم موسى إنكم لن تغلبوا ربكم ولن تبطلوا آياته ؛ وقيل : هو تهديد ، أي : ابتدئوا بالإلقاء فستنظرون ما يحل بكم من الافتضاح ، والموجب لهذين التأويلين عند من قال بهما أنه لا يجوز على موسى أن يأمرهم بالسحر (فَلَمَّا أَلْقَوْا) أي : حبالهم وعصيهم (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) أي قلبوها وغيروها عن صحة إدراكها بما جاءوا به من التمويه والتخييل الذي يفعله المشعوذون وأهل الخفة (وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) أي أدخلوا الرهبة في قلوبهم إدخالا شديدا (وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) في أعين