يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (٩٩) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠))
قوله : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍ) لما فصل الله سبحانه أحوال بعض الأنبياء مع أممهم ، وهم المذكورون سابقا أجمل حال سائر الأمم المرسل إليها ، أي : وما أرسلنا في قرية من القرى من نبيّ من الأنبياء ، وفي الكلام محذوف ، أي : فكذب أهلها إلا أخذناهم ، والاستثناء مفرّغ ، أي : ما أرسلنا في حال من الأحوال إلا في حال أخذنا أهلها ، فمحل أخذنا : النصب ، والبأساء : البؤس والفقر ، والضراء : الضرّ ، وقد تقدم تحقيق معنى البأساء والضراء (لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) أي : لكي يتضرّعوا ويتذلّلوا ، فيدعوا ما هم عليه من الاستكبار وتكذيب الأنبياء. قوله : (ثُمَّ بَدَّلْنا) معطوف على أخذنا ، أي : ثم بعد الأخذ لأهل القرى بدّلناهم (مَكانَ السَّيِّئَةِ) التي أصبناهم بها من البلاء والامتحان (الْحَسَنَةَ) أي : الخصلة الحسنة ، فصاروا في خير وسعة وأمن (حَتَّى عَفَوْا) يقال عفا : كثر ، وعفا : درس ، فهو من أسماء الأضداد ، والمراد هنا : أنهم كثروا في أنفسهم وفي أموالهم ، أي : أعطيناهم الحسنة مكان السيئة حتى كثروا (وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) أي : قالوا هذه المقالة عند أن صاروا في الحسنة بعد السيئة ، أي : أن هذا الذي مسّنا من البأساء والضراء ، ثم من الرخاء والخصب من بعد ، هو أمر وقع لآبائنا قبلنا مثله ، فمسّهم من البأساء والضّرّاء ما مسنا ومن النعمة والخير ما نلناه ، ومعناهم : أن هذه العادة الجارية في السّلف والخلف ، وأن ذلك ليس من الله سبحانه ابتلاء لهم واختبارا لما عندهم ، وفي هذا من شدّة عنادهم وقوة تمردهم وعتوّهم ما لا يخفى ، ولهذا عاجلهم الله بالعقوبة ولم يمهلهم فقال : (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) أي : فجأة عقب أن قالوا هذه المقالة من دون تراخ ولا إمهال (وَ) الحال أن (هُمْ لا يَشْعُرُونَ) بذلك ولا يترقبونه ، واللام في (الْقُرى) للعهد ، أي : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) التي أرسلنا إليها رسلنا (آمَنُوا) بالرسل المرسلين إليهم (وَاتَّقَوْا) ما صمموا عليه من الكفر ولم يصرّوا على ما فعلوا من القبائح (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي : يسرنا لهم خير السماء والأرض كما يحصل التيسير للأبواب المغلقة بفتح أبوابها ؛ قيل : المراد بخير السماء : المطر ، وخير الأرض : النبات ، والأولى حمل ما في الآية على ما هو أعمّ من ذلك ؛ ويجوز أن تكون اللام في القرى للجنس ، والمراد : لو أنّ أهل القرى أين كانوا ، وفي أيّ بلاد سكنوا ، آمنوا واتقوا إلى آخر الآية (وَلكِنْ كَذَّبُوا) بالآيات والأنبياء ولم يؤمنوا ولا اتقوا (فَأَخَذْناهُمْ) بالعذاب بسبب ما (كانُوا يَكْسِبُونَ) من الذنوب الموجبة لعذابهم ، والاستفهام في (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) للتقريع والتوبيخ ، وأهل القرى هم أهل القرى المذكورة قبله ، والفاء للعطف ، وهو مثل (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) (١) ؛ وقيل : المراد بالقرى مكة وما حولها لتكذيبهم للنبي صلىاللهعليهوسلم والحمل على العموم أولى. قوله : (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً) أي : وقت بيات ، وهو الليل على أنه منصوب على الظرفية ، ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى : تبيتا ، أو مصدرا
__________________
(١). المائدة : ٥٠.