في موضع الحال : أي مبيتين ، وجملة (وَهُمْ نائِمُونَ) في محل نصب على الحال ، والاستفهام في (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ) كالاستفهام الذي قبله ، والضحى : ضحوة النهار ، وهو في الأصل اسم لضوء الشمس إذا أشرقت وارتفعت. قرأ ابن عامر والحرميان (أَوَأَمِنَ) بإسكان الواو وقرأ الباقون بفتحها ، وجملة (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) في محل نصب على الحال ، أي : يشتغلون بما لا يعود عليهم بفائدة ، والاستفهام في (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ) للتّقريع والتوبيخ وإنكار ما هم عليه من أمان ما لا يؤمن من مكر الله بهم وعقوبته لهم ، وفي تكرير هذا الاستفهام زيادة تقرير لإنكار ما أنكره عليهم ، ثم بين حال من أمن مكر الله ، فقال : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) أي : الذين أفرطوا في الخسران ، ووقعوا في وعيده الشديد ، وقيل : مكر الله هنا هو استدراجه بالنعمة والصحة. والأولى : حمله على ما هو أعمّ من ذلك. قوله : (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها) قرئ «نهد» بالنون ، وبالتحتية ، فعلى القراءة بالنون يكون فاعل الفعل هو الله سبحانه ، ومفعول الفعل (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) أي أن الشأن هو هذا ، وعلى القراءة بالتحتية يكون فاعل يهد هو (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) أي : أخذناهم بكفرهم وتكذيبهم ، والهداية هنا بمعنى التبيين ، ولهذا عديت باللام. قوله : (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ) أي : ونحن نطبع على قلوبهم على الاستئناف ، ولا يصحّ عطفه على أصبنا لأنهم ممن طبع الله على قلبه لعدم قبولهم للإيمان ؛ وقيل : هو معطوف على فعل مقدّر دلّ عليه الكلام ، كأنه قيل : يغفلون عن الهداية ونطبع ؛ وقيل : معطوف على يرثون ، قوله : (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) جواب لو ، أي : صاروا بسبب إصابتنا لهم بذنوبهم والطّبع على قلوبهم لا يسمعون ما يتلوه عليهم من أرسله الله إليهم من الوعظ والإعذار والإنذار.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ) قال : مكان الشدة الرخاء (حَتَّى عَفَوْا) قال : كثروا وكثرت أموالهم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (حَتَّى عَفَوْا) قال : جموا (١). وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) قال : قالوا : قد أتى على آبائنا مثل هذا فلم يكن شيئا (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ). وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه في قوله : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا) قال : بما أنزل الله (وَاتَّقَوْا) قال : ما حرّمه الله (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) يقول : أعطتهم السماء بركتها والأرض نباتها. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق معاذ بن رفاعة عن موسى الطائفي قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أكرموا الخبز فإنّ الله أنزله من بركات السّماء وأخرجه من بركات الأرض». وأخرج البزار والطبراني ، قال السيوطي بسند ضعيف عن عبد الله بن أمّ حرام قال : صليت القبلتين مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وسمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «أكرموا الخبز فإن الله أنزله من
__________________
(١). قال في القاموس : الجمّ : الكثير من الشيء.