عبادة الله وحده دون معبوداتهم التي جعلوها شركاء لله ، وإنما كان هذا مستنكرا عندهم لأنهم وجدوا آباءهم على خلاف ما دعاهم إليه (وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) أي : نترك الذي كانوا يعبدونه ، وهذا داخل في جملة ما استنكروه. قوله (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) هذا استعجال منهم للعذاب الذي كان هود يعدهم به ، لشدة تمرّدهم على الله ونكوصهم عن طريق الحق ، وبعدهم عن اتباع الصواب ، فأجابهم بقوله : (قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ) جعل ما هو متوقع كالواقع تنبيها على تحقق وقوعه ، كما ذكره أئمة المعاني والبيان ، وقيل : معنى وقع وجب ، والرجس : العذاب ، وقيل : هو هنا الرين على القلب بزيادة الكفر ، ثم استنكر عليهم ما وقع منهم من المجادلة ، فقال (أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ) يعني : أسماء الأصنام التي كانوا يعبدونها جعلها أسماء ، لأن مسمياتها لا حقيقة لها بل تسميتها بالآلهة باطلة ، فكأنها معدومة لم توجد بل الموجود أسماؤها فقط (سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) أي : سميتم بها معبوداتكم من جهة أنفسكم أنتم وآباؤكم ولا حقيقة لذلك (ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) أي : من حجة تحتجون بها على ما تدّعونه لها من الدعاوي الباطلة ثم توعدهم بأشد وعيد فقال (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) أي : فانتظروا ما طلبتموه من العذاب فإني معكم من المنتظرين له ، وهو واقع بكم لا محالة ونازل عليكم بلا شك ؛ ثم أخبر الله سبحانه أنه نجّى هودا ومن معه من المؤمنين به من العذاب النازل بمن كفر به ولم يقبل رسالته ، وأنه قطع دابر القوم المكذبين ، أي : أستأصلهم جميعا. وقد تقدّم تحقيق معناه ، وجملة (وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ) معطوفة على كذبوا ، أي : استأصلنا هؤلاء القوم الجامعين بين التكذيب بآياتنا وعدم الإيمان.
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) قال : ليس بأخيهم في الدّين ، ولكنه أخوهم في النسب لأنه منهم ؛ فلذلك جعل أخاهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن خيثم قال : كانت عاد ما بين اليمن إلى الشام مثل الذرّ. وأخرج ابن عساكر عن وهب قال : كان الرجل من عاد ستين ذراعا بذراعهم ، وكان هامة الرجل مثل القبّة العظيمة ، وكان عين الرجل لتفرخ فيها السّباع ، وكذلك مناخرهم. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر ذراعا طولا. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عباس قال : كان الرجل منهم ثمانين باعا ، وكانت البرّة فيهم ككلية البقرة ، والرمانة الواحدة يقعد في قشرها عشرة نفر. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه (وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) قال : شدة. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : إن كان الرجل من قوم عاد ليتّخذ المصراع من الحجارة لو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يقلّوه (١) ، وإن كان أحدهم ليدخل قدمه في الأرض فتدخل فيها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (آلاءَ اللهِ) قال : نعم الله ، وفي قوله (رِجْسٌ) قال : سخط. وأخرج ابن عساكر قال : لما أرسل الله الريح على عاد اعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبهم
__________________
(١). قال في القاموس : قلّه وأقلّه : حمله ورفعه.